نعيش الحياة بحلوها ومرها، بجمالها وقبحها، تسمو بنا إلى العلا حتى نصل سقف أهدافنا لتسقطنا بعدها دون سابق إنذار، تهزمنا مرات عدة لنصاب بخيبات أمل موجعة فنعتقد أنها النهاية، بل إن البعض يفضل الانسحاب في صمت بدل المواجهة.
لكن كثيرة هي الأوقات التي ننتصر فيها على جبروت الزمن، غير أننا لا نولي هذه اللحظات أهمية حتى تمضي إلى حال سبيلها، فنتذكرها آملين في عودتها مجدداً.
نحن لا نعيش لحظة الفرح بجنونها، لا نستمتع بتلك الأوقات الظريفة التي تعبر حياتنا، فبدل ذلك ندعها تمر مرور الكرام.
هل لأننا تعودنا على الحزن؟ أم ألفت نفوسنا الطيبة لذة الألم؟ فباتت لديها أمراً عادياً، حتى وجوهنا عشقت نظارة الأسى حتى أنسانا مَن نحن ها هنا.. ألهذه الدرجة استولى علينا السقم وخيَّم علينا بظلاله؟
نشتاق للسعادة اشتياقنا لهواء نقي ينعشنا بعيداً عن مخلفات الحياة، وكم هي كثيرة تلك الأوقات التي تضرعنا فيها للرب ليمنحنا إياها.. إلا أننا ننسى أن السعادة لم تخلق في شيء، ولم تجسد معالمها في شخص معين، فبمجرد ضياع ذلك الشيء أو فقدان ذلك الشخص تنتهي لنعيش في عالم المآسي ونتخبط في دوامة الأوهام التي لا تكاد تنتهي.
توجد السعادة لدى كل منا، تتجلى في ذلك الطفل البريء داخلك، فلتسرع في إطلاق سراحه، ولتفكّ قيوده حتى تنعم بالسلام الداخلي والأمان الذاتي فتستشعر طعمها.
عِش بإيجابية، ودع قلبك وعقلك ينسجمان لتحب بقناعة وترفض بشجاعة وتعيش بكرامة.
السعادة لا تخضع لقوانين فيزيائية أو مبادئ رياضية، كما أنها لا تتمثل في صورة واحدة استثنائية، فالبعض يعتقد أن تحقيق معدل ممتاز سعادة لا توصف، والبعض الآخر يربط سعادته تارة بتألقه في عمله، وتارة بنجاحه في علاقاته الاجتماعية.. إلخ.
هنا يكمن أكبر إشكال، فكما يقال السعادة مثل الفراشة كلما ركضت وراءها رحلت عنك وابتعدت، في حين إذا انتظرتها في حديقة جميلة ستحط على يديك لتلامسك هامسة لقد أتيت.
هكذا السعادة تأتي دون سابق إنذار، فلتعمل بجهد دون تماطل، ولتقُم بدورك على أكمل وجه حتى تستشعر الرضا، ثم انتظر، فحتى ولو طال الانتظار تذكر أن السعادة في طريقها إليك لا محالة، لتزين دنياك، وتعيد الألوان والبهجة إلى حياتك.
اعلم أننا نأخذ بالأسباب محاولين نيل الأهداف، أهداف بات بلوغها يضاهي سعادة الحياة وما فيها، غير مبالين بأن الأمور تمشي وفق حكمة، فلا داعي لأن تدفن حياتك وسط المآسي حتى تذبل زهرة شبابك، ففشلك في تجربة لا يعني نهاية سعادتك وتوقف مسارك.
مع الأسف، أصبحنا ننظر للحياة من زاوية ضيقة، زاوية يعمها السواد، تاركين الجزء المضيء ناصع البياض.. اخترنا الركن القاتم كملاذ آمن بعيداً عن نورها الساطع، بل اختزلنا جماليتها في الحيثيات دون أن نعير اهتماماً للفرص التي تحملها في طياتها فيكفي التأني والتريث.
قد لا نحظى بكل ما نصبو إليه في الحياة، لكن هذا لا يعني الاستسلام والدخول في متاهات اليأس والتقيد بالأوهام والأحلام السوداء، إنها مجرد غيمة عابرة تنبؤك بفجر جديد، شمسه تحيي في النفوس أحلاماً خفية تحملك إلى عوالم أخرى قد تغير حياتك بأكملها.
صحيح أننا نحلم، نخطط ونرسم لذواتنا أماني جميلة، يعشقها القلب وينساب وراءها الذهن لتظل في الذاكرة، إلا أنه سيحين الوقت لتصبح واقعاً معاشاً نسعد فيه بإنجازاتنا، ونوقع في سجل المجد أسماءنا، فالسعادة ليست أمراً مستحيلاً.
كاتبة التدوينة: شيماء المريني