أصعب اللحظات والأوقات التي تمر بها الذات هي لحظة البحث عن تجلياتها، تمظهراتها، أبعادها وماهيتها، الأمر الذي يجعل من طرح هذه التساؤلات مشروعا، فما الذي يمثله، إذن، القلم للكاتب خصوصا والذات المفكرة عموما؟ هل تشكل الكتابة تعبيرا عن ماهية الذات، بما هي الهدف الأسمى والمنشود؟ إن لم تكن الكتابة تجسيدا لجوهر الذات، فلماذا إذن لا يتوقف قلمها عن التعبير؟ هل هي مجرد عادة؟ أم أنها أعمق بكثير؟
للإجابة عن كل هذه التساؤلات، يجدر التطرق للوظائف المناطة بعهدة الكتابة، لتتجلى لنا الدلالات الحمائية والتشاركية.
وضمن هذا الإقرار، تؤسس الكتابة لبعد حمائي لا يمكن نفيه، إذ إنها ترتبط بكل ما هو نفسي، وجداني. إنها وبكل اختصار لحظة تجسيد للتفكير. لتكون بذلك الجانب العملي والتطبيقي للفكر.
وستتجذر الدلالات الوقائية للكتابة، من خلال سعيها إلى انتشال الذات من غياهب الاغتراب المجحفة، الأمر الذي يجعل منها مجالا حيويا لتجسيد جوهر الذات المفكرة. ذلك الجوهر المتمثل في مدى تحقيقه عنصر السعادة الذي تنشده كل ذات كابدت الحزن، القلق والانزعاج. لتتجلى لنا الكتابة ترياقا فعالا من شأنه إعادة تأهيل الذات، وانتشالها من غياهب الوحدة.
وسيتعمق الطابع القدسي للكتابة، متى امتزج بدلالات التشارك، الأمر الذي يجعل من الذات مرتبطة أشد الارتباط بمعاني الإبداع. لتتجلى لنا إسهاماتها الهادفة إلى توطيد صرح المجتمع. فلكأن القلم، ضمن هذا الإقرار، يؤسس لبعد أشمل، وهو الإنساني. لتكون بذلك الكتابة أداة تحمل في طياتها روح المسؤولية، جوهر الإرادة، ماهية التغيّر. إنها وباختصار، وعي. هذا الوعي الذي يتبلور لتخليص الذات من بوتقة الأنانية، اللامبالاة والسلبية.
لا تكون ديمومة المجتمعات الإنسانية وازدهارها إلا بتقدم أقلامها، إبداعاتها، كتابها.