يتميز عيد الأضحى لدى قبائل الطوارق المنتشرة في 5 بلدان في منطقة الساحل الأفريقي (الجزائر، مالي، النيجر، ليبيا، بوركينا فاسو)، بروح التضامن والتآخي، وتمتزج فيها الشرائع الدينية بالعادات والتقاليد المحلية.
أهازيج تقليدية تنبض على وقع طبول “تندي”، فضلاً عن طقوس خاصة تشمل تزيين أعين الخراف بالكحل، وتعد من بين مميزات العيد لدى الطوارق، وهي قبائل مسلمة من أصول أمازيغية تشير تقديرات غير رسمية إلى أن أعداد أفرادها يبلغ نحو 1.5 مليون شخص.
مناسبة دينية مشحونة بقيم العطاء والتضحية، وتمثل فرصة لدى هذه العرقية للتقرب من الله من خلال توزيع “الصدقات” قبل يوم من حلول العيد (الذي يسمونه أمود وان تيسابدار)، في لغة “تماشق” الطوارقية، على شكل أموال أو أضاح، بما في ذلك حبات الأرز وغيرها من الهبات الأخرى، لتمنح للفقراء وضعاف الحال، وفق “زودا أغ دوهو”، أستاذ التاريخ والجغرافيا بمدينة “غاو”، الواقعة شمالي مالي.
طقوس العيد عند قبائل الطوارق
وعلى غرار كافة المسلمين، يستهل الطوارق العيد، بالصلاة وتبادل الأهل والأقارب الزيارات، مغتنمين هذه المناسبة لتسوية الخلافات والمصالحة بين الناس. غير أنه من بين الطقوس الأشد غرابة في “أمود وان تيسابدار”، تزيين أعين الخراف والماعز بالكحل، في محاولة لـ”تجنيب” الأضحية رؤية ذابحها، وفق محمد الأنصاري، نائب مدير مركز الأبحاث الثقافية في مدينة “تمبكتو” شمال مالي.
ويُستخدم جزء من لحم الأضاحي في إعداد الفطور، المتمثل عادة في طبق “تاجيلا” (لحم مشوي في الرمال يقدم مع خبز) أو أكلة “ألابادجا”، المكونة من الأرز واللحم، في حين يوزع بقية اللحم على الجيران والفقراء، وفق الشاب محمد، أحد سكان تمبكتو.
وتابع أحمد قائلاً: “لا نحتفظ بدورنا، سوى باللحم المقدم من طرف الجيران”، مشيراً إلى أن تبادل لحم الأضاحي يشكل “وسيلة لتعزيز الروابط وطلب المغفرة من الله”.
احتفالات عيد الأضحى عند الطوارق
وبعد ظهر يوم العيد، تنطلق الاحتفالات النابضة على وقع طبل الـ “تندي” والأغاني التقليدية، في مشهد احتفالي يمتد 4 أيام متتالية.
كما تسارع نسوة الطوارق إلى تخضيب أقدامهن وأياديهن بحنة تستخدم لصبغ شعرهن، الذي يصفف على شكل ضفائر تظهر طوله، لتغطى بقماش “نغوفا”، الفضي أو الذهبي المزدان بحجارة لامعة، وفق “بلقيس ولت محمد”، مصممة الأزياء وخبيرة تجميل متخصصة في الزي الطارقي.
وأشار “عمر أغ إيدوال”، شاعر ومدرس لغة فرنسية في بلدة “تين عائشة”، الواقعة في محيط مدينة “غودمان” (شمال مالي)، إلى أن “الطوارق يفعلون ما في وسعهم لتمديد فترة الاحتفالات”. كما أوضح أن الأيام التي تعقب العيد تحت اسم “تاماكانيت” (أفضل لحظات العام)، في لغة “تماشق”، يتم التحضير لها بـ “عناية فائقة”، قبل أسبوع من “أمود وان تيسابدار”، من قبل أعيان القرى وقادتها.
أهمية هذه الاحتفالات باعتبارها “فضاء أمثل” لتكريس قيم التبادل والتكافل الاجتماعي، تفسر حرص الطوارق على التحضير الجيد لها، في مناسبة تشكل فرصة لبيع الجمال والارتباط.
وحسب “زودا أغ دوهو”، أستاذ التاريخ والجغرافيا، فإن الطوارق يشتركون في هذه التقاليد، رغم بعض الاختلافات التي تميز كل منطقة عن الأخرى.
وفي المنطقة الواقعة غرب “تمبكتو” والممتدة من “غاو” في مالي إلى “تامنراست” جنوب الجزائر، اعتاد شباب المنطقة على التجول من خيمة إلى أخرى لتوزيع الأغنام والعطور والشاي أو لفافات التبغ، بمناسبة العيد، مرددين بعض الأغاني التقليدية. وفي منطقة “أغادز” بشمال النيجر، ينتظم تجمع كبير ثالث أيام العيد، ليجوب المدينة على وقع الطبل والرقص، وفق “أغ دوهو”.
ورغم تشبث الطوارق بموروثهم الثقافي الذي يشكل عنوان تماسكهم ووحدتهم، إلا أنهم فقدوا المئات من العادات والتقاليد مع مرور الزمان، والتي يتعلق بعضها بعيد الأضحى.
تعليق واحد