المتأمِّل في حالِ الشعب الجزائري اليوم يجد أن هناك أزمة أخلاق في جميع مجالات الحياة: السياسة والاقتصاد، والاجتماع والنظام، بل في الحياة اليومية من الصغير إلى الكبير، ومِن الذكر إلى الأنثى، ومِن الحاكم والمحكوم، وهذه الأزمة الأخلاقية منها ما هو مكتسَب، ومنها ما هو موروث، والأخير هو الأكثر ويصعب استدراكه أو علاجه، بخلاف المكتسب، فقد يأتي يوم ويتغير بأي سببٍ مِن أسباب التغيير، ولكن ما الواجب علينا ونحن أمَّة حُكم لنا بالخيرية في كتاب الله بشروطها؟
يجمع الباحثون الاجتماعيون على أن المنظومة الأخلاقية للمجتمع الجزائري تعيش حالة من التدهور غير المسبوق، إذ مكان الصدق والأمانة والالتزام بالوعود والمحافظة على السلوك العام في الشارع، حلت قيم أخرى بعيدة عن السلوك السوي؛ كالغش والتحايل والكذب والتزوير والخداع. وتجلى هذا الواقع المختل بشكل واضح في حياتنا اليومية.
وحريّ بالحكومة ومختلف مؤسسات الدولة أن تكون هي المثل الأعلى والقدوة بالنسبة إلى الآخرين، وأن تكون بمثابة القاطرة التي تقود المجتمع نحو جادة الطريق وما ينفعه، من خلال تخليها عن الشعارات التي تصر على تسويقها رغم زيفها، والانتقال إلى مرحلة العمل على المواجهة والتصدي بكل حزم لكل الآفات التي تنخر الأمة ومحاربة الفساد والمفسدين والتخلي عن المحاباة في تعيين الأفراد بمناصب المسؤولية التي يجب أن تمنح إلى الأجدر وإلى من هو أكثر كفاءة.
ويؤكد هؤلاء على أن انعدام الثقة في مؤسسات الدولة جعل المواطن الجزائري وخاصة من فئة الشباب يتدبر شؤونه بنفسه وبطريقته الخاصة؛ كتعاطي المخدرات للهروب من الواقع؛ أو الإجرام للانتقام من المجتمع، أو الهجرة السرية كمغامرة بالنفس للنجاح أو الموت، أو الانتحار كآخر حل لكل المآسي اليومية التي يعيشها.
أنا لا أهاجم مجتمعنا، لكنني حزين على النمطية التي يسير فيها، وغير ذلك من الأمور المُعيبة والتي أخجل أن أتناولها هنا، كالمحافظة على النظافة وعدم تخريب الممتلكات العامة والخاصة، من المخجل أن تكون الجزائر كدولة طاعنة في السن قد قارب عمرها من المائة عام ألا تُحدد لها منظومةً أخلاقية تحارب بها كل أشكال التخلف القمعية والتي باتت مؤرقة بالنسبة لي.
القضية قضية أخلاق شعب وليس مؤسسات دولة، فالمسؤول من الشعب، لا تلق اللوم الأكبر على المسؤولين، فالكل مشارك في أزمة الأخلاق إلا ماندر.