أربع لاءات إن واجهت إحداهن قلباً كادت أن تخلعه، فكيف بقلبٍ قد حُشدت له أربع اللاءات دفعة واحدة؟!
لا وطن
الوطن نعمة لا يشعر بها غالباً إلا من اغترب عنها، وبالأخص من تغرّب عنوةً وقهراً، وأخصّ من ذلك من تغرب عنوة ولا يدري متى يعود، فهذه القطعة من الأرض التي تهوي إليها الأفئدة خفّاقة مشتاقة لا تعرف الهدوء إلا إن استنشقت عبير نسائمه، ولا تُعرف الراحة إلا إذا افترش الجسد تراب الوطن والتحف سماءه وعانق هواءه، فكيف لا يطير القلب بأجنحة الشوق كلّ مساءٍ إلى تلك البقعة التي تشدّه أينما كان، وتدقّ فيه نواقيس الحنان والرغبة بالعودة في كلّ لحظة.
ولمن يريد أن يستشعر قيمة الوطن فليراجع سيرة هجرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف خاطب مكّة خطاباً فراقياً يهزّ الوجدان ويزلزل العواطف، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة: “ما أطيبك من بلد، وأحبك إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَك.”
لله درّ تلك القلوب المعذّبة بغربتها المذبوحة على مذبح الشوق للأوطان في كلّ ثانية.
لا عمل
البطالة داء عضال إذا فتك بمجتمع أو بالأفراد كان ذا أثر سلبي على الحاضر والمستقبل، فالعمل هو عنوان البناء الصحيح لمستقبل سليم متغيّر إلى الأفضل، أما البطالة فهي إن لم تهدمه هذا البناء فهي توقفه أو تبنيه على شكلّ غير صحيح.
وما يرافق البطالة من ديون والتزامات وضعف وهوان هي ارتدادات طبيعية سيبقى أثرها واضحاً في نفس الباحث عن عمل ولم يجده، وقد تكون مثبّطاً نفسياً له حتى وإن عمل لاحقاً.
وكذلك تضاؤل فرص العمل وصعوبة الحصول عليها -وخاصة في بلاد الغربة- ستدفعنا أحياناً إلى الجنون أو التجمّد الفكري وقلة الحيلة والقهر.
لا مال
المال وبدون مثاليات هو عصب الحياة وخاصة في المدن والدول التي تعتمد المادة أسلوباً للحياة، والمصالح والمنافع مقياساً للتعايش بين الأفراد، فالفقير هنا خارج هذه الحسابات خارج التعايش وخارج الحياة، ووظيفته هي عدّ الأيام حتى يهرم فيموت.. يموت جسده طبعاً أما الروح فقد ماتت منذ زمن بعيد.
وقد اشتهرت مقولة عظيمة في هذا الجانب:
لو كان الفقر رجلاً لقتلته.
وحقيقة إن علاج الفقر هو قتله لأنّ هذا هو القصاص الحقّ منه لو كان رجلاً يمشي على الأرض، لأنه يقتل الفقراء ألف قتلة في اليوم ولا يرحمهم.
لا حبيبة
قمة منى الرجل أن يستأنس بحلال طيّب مبارك، بامرأة تعينه على نوائب الحياة وتقف إلى جانبه وتكون سنده الحقيقي وجيشه الوحيد الذي يدافع عنه، إن فقد الرجل هذه المرأة فقد أضاع توازنه بلا ريب، فالحبيبة دواء الهم والغم والحَزن، ألم تروا كيف لجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خديجة رضي الله عنها يقول لها: زملوني زملوني؟
القلوب التي لا تعشق تبقى قلوباً جوفاء تملؤها الأفكار السوداء، وتفيض بالماديّات والواقعيات بعيداً عن العواطف وعن الحبّ والهيام، فهل يبقى لهذه القلوب معنى من خفقانها إن أُفرغت من الحب؟
قال شاعر المهجر إيليا أبو ماضي:
أحبب فيغدو الكوخ قصراً نيّرا
أبغض فيمسي الكون سجناً مظلماً
عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة:
إنكم قد قرأتم مقالة لشخص حملت عليه اللاءات الأربعة حملة واحدة فأردته أرضاً مكبّلاً مقيّداً، أوقفت تفكيره وعاطفته وفطنته وإحساسه، وقد جعلت منه أثراً بعد عين، وأحالت قلبه خراباً استوطنته الخفافيش والبوم وعلا صوت التشاؤم فيه على أي صوت آخر، فادعو له أن يرشده الله لما يغيّر هذه اللاءات الملعونة ويعيد البهجة إلى قلبه.