يعتريني شعور غريب جداً عند دخولي إلى مجمع نسائي عبر الفيسبوك وما أكثرها من مجامع، لا أخلو منها وأنا أحس بغثيان شديد تهتز فيه معدتي من قرف بعضهن.
لا تخلو محادثاتهن عن اللباس والمكياج وكيفية استغلال الرجال وكيف يتزينّ؛ لأنهن في آخر الأسبوع سيخرجن مع فارس الأحلام ظناً منهن أن هذا الفارس المغوار ينتظرهن فقط.
لتعلمي عزيزتي أن هذا الرجل الذي تنتظرينه لآخر الأسبوع لتحتسي معه كوب قهوة أو ما هو أبعد من هذا أنه طيلة الأسبوع غارق في حصد نجاحات كبيرة؛ ليأتي آخر الأسبوع ويستمتع بالحديث معك عن رغباته ومكبوتاته المكنونة.
لا حرج عزيزتي بأن تعطي لمشاعرك الحظ الأوفر في علاقتك مع الرجل، لكن عقلك قبل كل شيء.
زينة العقل قبل زينة المظهر، اهتمي بعقلك قبل مظهرك، تزيني لنفسك ثم لنفسك ثم لنفسك، وبعدها للناس، لتكوني في مظهر جيد لا تفريط ولا إفراط.
ما أحوجنا اليوم ونحن على موقع “يوتيوب” المعروف نجد فيديوهات عن كيفية لفّ الحجاب وكيفية اللباس وكيفية وضع المكياج على طريقة “كيم كاردشيان”، وما إلى ذلك من عناوين باتت تغرينا على المواقع الاجتماعية بالخط العريض؛ لنقتنع بفكرة أن اللباس يصنع المولى، وإذا كنت تشتري من ماركات عالمية أم من الإنترنت فأنت المولى وتقدر على هذا الإنجاز.
وأنا أتصفح كما العادة الفيسبوك لأجد أن لا تعليقات على منشور لفتاة تطلب من أعضاء المجموعة أن تكون هناك فقرة كل يوم للتحدث عن اختراع أو عن فكرة إبداعية من الممكن أن تغير شيئا في محيطنا.
وللأسف لا حياة لمن تنادي، عقول بالية سيطر عليها خبث سريرة؛ لنجد أن معظم بنات جيلنا لا يفلحن سوى في منافسة الأخريات على سترة أو على حقيبة باهظة الثمن، حتى وإن كان من بين هذه الفتيات مَن نجحن في مسيرتهن الدراسية، فللأسف العقل لا زينة فيه، فارغ من أي ثقافة معرفية قبلية ترتقي بها إلى أبعد من اللباس والتطبع.
قبل أيام قليلة حضرت أنا وزميلي مؤتمراً صحفياً لافتتاح مقر “مصير” للأبحاث العلمية والمشاريع الإبداعية، في نهاية هذا الحدث قمنا بزيارة المختبرات العلمية التابعة لهذا المقر؛ حيث وقفنا منبهرين أمام هذه الكمية الهائلة من المعارف والعقول المفكرة، شباب يقتصر عملهم على الاختراع والإبداع داخل مختبر في أسفل المقر، أي لا حياة هناك سوى للمعرفة والعلم، يستغلون التكنولوجيا في تجلياتها وإيجابياتها بعيداً عن إضاعة الوقت في تويتر والواتساب والسناب ليستعرضوا ملابسهم وممتلكاتهم، فباختراعاتهم يستعرضون لنا رقي فكرهم وأدب أخلاقهم في تسخير العقل في شيء نافع لهم ولمجتمعهم بفكرة إبداعية تتسابق الشركات العالمية على احتضانها.
للأسف نحن نعيش في مجتمع يعبد المظاهر أكثر من أي شيء آخر تحت ذريعة الموضة.
ألم يقُل عمر بن الخطاب:
“لا تنظروا إلى صيام أحد ولا إلى صلاته، ولكن انظروا إلى صدق حديثه إذا حدث، وأمانته إذا اؤتمن، وورعه إذا أشفى”.
متى نتصالح مع دواخلنا ونبلغ هذه الدرجة من الرقي؟