للغناءِ الديني مكانة عظيمة في نفوس الشعوب العربية والإسلامية، فهو من أقدم المنتجات الصوفية التي عرفت طريقها إلى قلوب الناس، خاصة في المناسبات الدينية.
ويعد “المالوف” أحد أنماط الموسيقي الدينية الكلاسيكية في بلاد المغرب الكبير، والتي نشأت متأثرة بفن المُوشّحات في المناطق التي تركّز فيها مهاجرون أندلسيون، بعد أن امتزج في غنائهم عناصر عربية وتركية. وهو تراث شفوي تناقلته الأجيال. ويقال إن أصل كلمة مالوف هو “وفيّ للتقاليد”، ويُغنّى في العادة باللغة العربية الفصحى.
المالوف.. بين الجدّ والهزل
من الناحية الموضوعية، ينقسم المالوف إلى قسمين، أحدهما ديني يسمى “الجدّ”، والآخر دنيوي يسمى “الهزل”.
فإلى جانب الغناء الذي يرافق المناسبات الدينية، قد نجد المالوف، كما هو الحال في ليبيا، يستخدم في حفلات الزفاف، وأيضاً في تشييع جنائز شيوخ الزوايا الصوفية ومريديها.
ولكن من حيث الأداء العام، فإن القسمين معاً (الجد والهزل) ينتميان إلى نسيج فني واحد لتشابه الإيقاعات.
ويطلق على النصوص المتوارثة في المالوف اسم “نوبة”، ونظراً لأنها فنٌّ شفاهيّ الأصل، فقد ضاع معظمها من الذاكرة قبل أن يثبتها المدوّنون. وكانت في الأصل 24 نوبة، لم يصل منها إلى عصرنا سوى 12 نوبة فقط.
ويميل عدد من الباحثين إلى الجزم بأن المالوف تطور طبيعي لفن الموشحات الأندلسية، وأن موسيقى المالوف المغاربية هي سليلة الموسيقى الإسبانية التي انتقلت إلى البلاد العربية بعد فتح الأندلس، وأن الفضل في نشأتها يعود إلى زرياب، الموسيقي الشهير الذي مزج موسيقى البربر والإسبان والتصوف الإسلامي في لون، واستقر في بلاد المغرب (تونس والجزائر والمغرب) ولم يمتد إلى مصر والشام.
تطور المالوف
ويُرجِّح ذلك، أن كثيراً من مصطلحات المالوف ابتكرت في الأندلس، وهي باقية حتى الآن مع بعض الاختلافات اللغوية الطفيفة، والقوالب الموسيقية وأجزائها وأسماء الطبوع والآلات المستخدمة والأوزان الموسيقية، كلها تعود للعصرين العباسي والأندلسي.
وهناك من يؤرخ للمالوف ببداية الموشحات الدينية التي ابتكرها مقدم بن معافي القبري، الذي كان أحد شعراء الأندلس في أواسط القرن التاسع عشر، إذ دخل إلى الفن الغنائي مجموعة من الشعراء والمطربين والموسيقيين الموهوبين الذين أضافوا للقصائد القديمة، وطوروا قصائد أخرى جديدة نقلت المدائح النبوية من الأوساط الشعبية إلى القصور الملكية.
وللمالوف والموشحات جميعاً القدرة على التوظيف الواسع المدى، فيمكن فيه استخدام قصائد المدح لأغراض أخرى مثل الغزل. ومن أشهر أزجال المالوف المغاربي: “ياما كتمت حبكْ يا سيّد الملاح/ اعطف على محبك العقل منه راح/ خدكْ ورشق قدكْ وعيونك الملاح/ زادوا على قليبي جراحاً عن جراح”.
والمتابع لفن المالوف المغاربي يجده مشابها كثيراً لفن الموشحات العربية المصرية والشامية، فآلات الإيقاع والطرب من عود ودف وطبلة وناي وقانون هي نفسها في كل الأحوال، رغم اختلاف الأسماء، فالغيطة هي آلة نفخية، والدربوكة وهي الطبلة، والنوبة والطار مماثلتان للدف وآلة النقرة والقرنيطة، وكلها من آلات المالوف التي تُصدر نفس الإيقاع تقوم على نفس التقنية الموسيقية.
وبين ثنايا المغرب الكبير تكمن بعض الفروق في المالوف، فالعادات المختلفة جعلت لكل بلد مالوفها الذي يحمل من هويتها الفنية الخاصة، وهناك مناطق بعينها أولت عناية خاصة للمالوف، مثل مدينة طرابلس الليبية التي كانت تستضيف سنوياً “مهرجان طرابلس للمالوف والموشحات”.