حاولت المرأة العربية مؤخرا الانعتاق والخروج عن النسق الذي وضعت فيه منذ زمن بعيد ورفضت المكانة الوحيدة التي خصصت لها وروضت عليها كثيرا وخلال أحقبة متتالية من التاريخ العربي والإسلامي..
وهي عمل المنزل وتربية الأبناء فالمرأة في المجتمعات العربية الإسلامية هي عبارة عن وسيلة لإكثار النسل وخدمة المنزل وتربية الأبناء فعالمها يختزل في هذه المسائل الثلاث ولا شيء آخر، وكأي تغيير أولي مصدره الكبت والتمييز والإقصاء في جميع جوانب الحياة لا بد من أخطاء وعقبات لأن هذا التغير مصدره الأول الكراهية ودافعه الحقد دون أن يكون هناك هدف واضح أو منهج للعوائق المستقبلية التي تأتي بعد نجاح الثورة أو بعد استرداد الحق المسلوب لذا كانت المرأة العربية تتخبط في ظلمات التحرر ورراسب الجهل والكبت دون أن ترى النور.
وهذه الظاهرة إيجابية حقيقة لأن المرأة هي التي تخلق الحضارات وتنشأ بين أيديها، وهي مربية الأجيال وواضحة الزرع الأول من مبادئ وقيم وعقليات ومفاهيم ولها الفضل في كل تقدم تشهده البشرية سواء كان حضاري أو أخلاقي أو إنساني فالحضارات الكبرى تقوم على المرأة المتزنة المنفتحة على الحياة.
وهي نتاج لأم أحسنت التربية أو أنثى أحبت بصدق ووجهت الرجل في الاتجاه الصحيح حتى أفرزت البشرية كل هذه الحضارة الخلاقة الباهرة، ولولا تلك القيود التي كبلت بها المرأة خلال عصور متتالية لكان نتاجها الفكري والمعرفي والإبداعي أكثر من نتاج الرجل ولن تقتصر على المساهمة بتوجيه الرجل بل ستكون منتجة بأفكارها وإبداعاتها ومجهوداتها الذاتية.
تلقت المرأة العربية خلال مسيرة للمطالبة بحقوقها عقبات كثيرة ووقعت في أخطاء فادحة أدت إلى نكران ذاتها وفطرتها الطبيعية وجنحت إلى الرومانسية واللاواقعية وتخبطت في متاهات العشوائية واللاعقلانية وسبب ذلك كله يعود في المقام إلى المجتمع وضغوطاته التي يمارس عليها وإلى الرجل وبالأخص ذلك الذي يدعي الثقافة والتنور والانفناح..
وهو بعيد من ذلك كل البعد، فقد تودد لهذه المرأة وتقرب منها على أنه شخص مساعد ومشارك في المشروع التنويري لكنه ليس إلا صيادا يريد ما يسد به رمقه الجنسي وهذه هي طبيعة الرجل العربي على كل حال. حاول من خلال ارتداء قناع الثقافة أن يحصل على ثقة هذه النوعية من النساء التي تمتلك عقلا حادا وذكاء خارقا ولا تؤمن بأفضلية الرجل ولا يغريها ماله أو شكله، فجاءها في شكل جديد قد يغريها شيئا ما خاصة أنه مساعد في الأحلام والرؤى والتطلعات المستقبلية؛ لكنه ما إن يحصل على ثقتها حتى يبدأ يكشر عن أنيابه ويظهر صورته الحقيقية دون أي مساحيق فيؤذي هذه المرأة ويحولها إلى كائن كاره للجنس الآخر ومتنكر لحقيقته التي تثبت أن لديه جوارح وميول ورغبات وواجبات عائلية ومجتمعية..
فيجعلها بذلك تناقض نفسها ولا تعلم ما تريد وأكسبها فوبيا من الآخر وأصبح صراعها مع الرجل وحده بعد أن كان مع المنظومة الإجتماعية والعقليات الفكرية البائدة التي تحاول استغلالها ووضعها في إطار عبودية مستمر، لذا فقدت قضيتها الأم ونسيت الشيء الذي ثارت من أجله ولم تعد تعرف ما تريد..
تقول الدكتورة نوال السعداوي في كتابها “المرأة والجنس”، ما فحواه أنه باستطاعة المرأة أن تثور على العادات والتقاليد وتضفي لحياتها ومجتمعها إضافات نوعية وإسهامات كبيرة وجبارة دون أن تتنكر لحقيقتها وهي كونها امرأة تحب وتمتلك رغبات وعواطف وليست مجرد آلي لا يتقن إلا التمرد والحنق على الجنس الآخر..
لكننا نجد اليوم أن المرأة العربية تنحرف عن مسارها وقضيتها الكبرى التي خرجت من أجلها وتحشر نفسها في زوايا ضيقة ومسائل سطحية جدا فتبدد كل قوتها وطاقتها في أشياء لا تقدم ولا تأخر.