تعتبر النخلة من أهم ما ورثة أهل الصعيد عن أجدادهم العرب وتشهد مدنهم وقراهم ونجوعهم كثرة البساتين وصفوف النخيل التي تشعر المار بأن العرب كانوا وما زالوا يسكنون هذه الديار.
فمن المعلوم والواضح أن النخلة لا تتواجد بأرض إلا وتواجد العرب بها، حتى أنك تجد من بلاد الغرب إسبانيا والتي كانت الأندلس إبان حكم المسلمين فيها النخيل يرصف طريقها وقراها، وهذا لأن الأمير عبد الرحمن الداخل كان قد طلب أن يأتوا له بشجر النخيل من بلاد العرب إلى الأندلس وزرعها في قصره بعد استقرار حكمه، لتكون أنيساً له في غربته بالأندلس فأنشد يقول:
تبدت لنا وسط الرصافة نخلة
تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل
فقلت شبيهىي في التقرب والنوى
وطول اكتئابي عن بني وعن أهلي
نشأت بأرض أنت فيها غريبة
فمثلك في الاقصاء والمنتأى مثلي
وقد حظت النخلة بحب العرب وإحترامهم وتقديرهم والاهتمام بها وعشق ثمارها دوناً عن باقي الشجر وكانت رفيقًا لهم في كل رحلاتهم وترحالهم ولم يستغنوا عنها وظلت تُروى في أمثالهم وحديثهم وسميت بأسماء عدة فالقصير منها يسمى “فَسيلَة” وسميت الطويلة منها “الرَّقْلة” كما سميت كثير من القرى والمدن العربية باسم النخلة تكريماً لها.
ووصفها أبو العلاء المعري بأنها أشرف الشجر فقال:
وردنا مـاء دجلة خير ماء
وزرنا أشرف الشجر النخيلا
وقد استخدموا كل مشتقات النخيل في بيوتهم وعمارتهم، فكيف لهم أن يهملوها؛ وهي تتشكل بيئتهم البسيطة منها، ومن هذا الحب والتقدير كانوا يحتفلون ومازالوا بطرحها في موسم شعبي مقدس لديهم سواء في البادية أو الحضر، وذكرت في كثير من المواضع وضرب بها الأمثال في القرآن الكريم مما يؤكد أهميتها في هذه البيئة وخاصة عند العرب، وقد اتضح ذلك عندما خاصها الله عن باقي الأشجار في قوله {فيها فاكهة وَالنَّخْلُ ذَاتُ الأكْمَامِ} وقال ابن كثير أن الله خص النخل بالذكر لشرفه ونفعة رطبا ويابسا والأكمام أي أنها مكممة بالألياف، وهي الشجرة التي خصها الله أن تلد السيدة مريم سيدنا المسيح عيسى وهو تكريم ما بعده تكريم.
وكان اهتمام العرب بالنخيل ملحوظ حتى بالعصر الحديث، فعند تولى الشيخ زايد رحمه الله حاكم الإمارات العربية المتحدة كان من اهتماماته البيئية زراعة النخيل بكثرة والحث علي زراعتها في كافة أنحاء بلده وقد اُلتقطت له صور أرشيفية وهو يزرع فسيلة من النخل ويسقيها بيده لكي يرسل لكافة المسؤولين وأفراد الشعب والوافدين أن يهتموا بالنخيل وزراعته ورعايته وقد غرس بذلك في نفس الجميع أهمية النخيل بالانتماء.
وتتميز العراق واشتهرت بأجود أصناف التمور وغناها ببساتين النخيل وبها أقيم مهرجانات النخيل في محافظاتها المختلفة، وكذلك الأمر والتشابه في صعيد مصر خاصة وقد قيل أنه ليس نوع من أنواع التمر بالعراق إلا وفي صعيد “قًوص” مثله وفيه ما ليس بالعراق، وأنه لا يوجد تمر يصير تمرا قبل أن يكون رطبا إلا بالصعيد، وأنه بأسوان ألوان بغداد كلها “من رطب” وألوان الكوفة وألوان البصرة، وأمر هارون الرشيد أن تجمع له ألوان الرطب بمصر إليه.
وتحتفى الشعوب العربية بالتمور في مهرجانات شعبية تعرض فيها جميع الأصناف والألوان من التمر، ففي مصر مهرجان سيوة للتمور، وفي السعودية مهرجان بريدة للتمور ومهرجان عنيزة، وفي المغرب مهرجان أرفود للتمور، وفي عمان مهرجان التمور العمانية، وفي الإمارات مهرجان ليوا للرطب وكثير من المهرجانات والاحتفالات التي تعم البلاد العربية والتي تكون تفاخرا بإنتاج بلادها وسبباً في تصدير إنتاجها لكافة البلاد.