قبل أكثر من 300 عام من الآن، اشتعلت الثورة الفرنسية التي شكلت صراعًا سياسيًا عنيف أدى إلى إنهاء حكم الكنيسة، وبدأ مرحلة التنوير وحكم الشعب والديمقراطية، لكن هذه الثورة أصبحت نقطة محورية فارقة في تشكيل جميع الأيدولوجيات السياسية والفكرية فيما بعد.
في أثناء عقد الجلسات البرلمانية في عهد الملك لويس السادس عشر عام 1789، كان يجلس على يمينه النواب الممثلون لطبقة النبلاء ورجال الدين الموالين للملكية، وعلى يساره جلس النواب الليبراليون الممثلون لطبقة العامة أو الشعب المعارضين، ومن هنا بدأت فكرة اليمين واليسار السياسي لأي منظمة أو حكم سياسي.
لكن ماذا عن يمين المنظمة الصهيونية؟
الصهيونية دينيًا وتاريخيًا
ورد في مزمور رقم 1/137 على لسان جماعة يسرائيل بعد تهجيرهم إلى بابل: «جلسنا على ضفاف أنهار بابل وذرفنا الدمع حينما تذكرنا صهيون».
فقد ارتبطت الصهيونية بشكل ديني بجبل صهيون في القدس والأرض المقدسة، حيث ينظر إليها في التراث اليهودي الديني على أنها فكرة يهودية، اذ يؤمنون بأنه سيأتي في آخر الزمان المخلص الماشيح ليعود اليهود إلى صهيون.
ومع ظهور تيارات العلمنة في أوروبا في القرن التاسع عشر التي أدت إلى تهميش دور اليهود باعتبارهم جماعة دينية، وكإفراز طبيعي للفكر الغربي آنذاك الذي كان ينادي بالحداثة والفكر الغربي، وتزايد احتياجات الدول الاستعمارية فكان لا بد من النداء بالصهيونية مثلما حدث في الحروب الصليبية من حيث الديباجة الدينية، فنابليون أول غاز للشرق الأوسط وباعتباره معاديًا من الطراز الأول لليهود، كان صاحب أول مشروع صهيوني مخاطبًا إياهم حول الاستيطان في بلاد أجدادهم «أيها الإسرائيليون انهضوا فهذه اللحظة المناسبة».
فما بين ظاهرة الوطنية التي برزت بعد الثورة الفرنسية التي دفعت جميع الشعوب للبحث عن هويتها وتقرير مصيرها، وبين ظاهرة التسابق إلى المستعمرات ما بين الإمبراطورية البريطانية والفرنسية والروسية، ومحاولة السيطرة على إرث الدولة العثمانية في الشرق الأوسط، وازدياد أزمة اليهود في شرق أوروبا الذي كان يبلغ عددهم 12 مليون يهودي، يعيشون ما بين روسيا وبولندا ويتعرضوا بشكل دائم للـ«porom» وهي كلمة روسية تعني التدمير المنظم لجماعة أو طبقة، وهذا كله كان يُنتج عنه احتكاكات دينية وقومية واجتماعية، فكانت فكرة نابليون العبقرية بربط وتوليف هذه العوامل والخروج بفكرة الصهيونية الداعية للعودة إلى أرض الميعاد حسب اعتقادهم.
ومع العام 1880 تمت بلورة مفاهيم وملامح المشروع الصهيوني بشكل كامل على يد المفكرين والفلاسفة الصهاينة أمثال: لورد شافتسبري ولورانس أوليفانت وفي حينها لخص كل ما حدث من وجهة نظر الغرب بعبارة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».
ومن هنا بدأ تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، وظهور تيارات الصهيونية المتعددة سواء الصهيونية التصحيحية والعمالية والدينية والإثنية.
اليمين الصهيوني.. من أين بدأ؟
حينما طرح تيودور هرتزل مشروعه الصهيوني في المؤتمر السادس للعام 1903 حول توطين اليهود في أوغندا، بناءً على اقتراح بريطانيا في وقتها عارض العديد من اليهود الروس هذا المقترح وكان من ضمن المعارضين جابوتنسكي الذي سيشكل فيما بعد أبو اليمين الصهيوني، وبداية انضمامه للمنظمة الصهيونية.
قررت بريطانيا إرسال بعثة صهيونية إلى فلسطين في 1918 لتهدئة مخاوف العرب، ودراسة السبل اللازمة بإسراع تنفيذ الوطن القومي لليهود. كان جابوتنسكي من ضمن هذه البعثة فعمل من خلالها على تقوية أواصر الفيلق العسكري «الكتائب اليهودية» عمل على تأسسيها في الحرب العالمية الأولى، لتقاتل بجانب الحلفاء وتعزيز التواجد العسكري الصهيوني في فلسطين، حيث سيعمل الجنرال اللنبي على حلها فيما بعد، وتشكل نقطة صراع بين جابتونسكي والصهاينة الآخرين حول موقف بريطانيا من الفيلق، وبداية تشكيل الحركة التصحيحية مع العام 1924 وبدأ أول مؤتمراتها تأكيدًا على موقفها باعتبارها معارضة للسياسة الصهيونية في حينها.
حيث نشطت التصحيحية في تنظيم الهجرة السرية لفلسطين «هاعبلا» كما أنها رفضت قرار لجنة بيل حول قرار التقسيم الصادر عن عصبة الأمم المتحدة. ونادت بشكل أساسي للدولة الصهيونية بين ضفاف نهر الأردن، وفكرة ترنسفير العرب من فلسطين لما كانت لهم نظرة استحقار واستعلاء للعرب، نظرًا لتأثرهم بالتعصب القومي في النظام النازي والفاشي لما كان يربطهم به من علاقات قوية.
وقد شرح جابتونسكي فكرته وقدم العديد من الحلول لتهجير العرب بشكل كافي في مقاله «الجدار الحديدي» وضرورة إقامة الجدران العازلة مع العرب، وتهجيرهم الذي بدأ مقاله بالتعريف على نفسه على أنه العدو الأول للعرب.