الدرس الافتتاحي للجامعة الصيفية القروية حول حقوق الإنسان في المغرب من تقديم الأستاذ محمد الشارف.
يعلمنا مسار الحياة أن الأمور التي تأتيني فجأة ونكون بداية مترددين في القبول بها، تخفي لنا تجارب رائعة وذكريات جميلة قد لا تتكرر مع تعاقب الأوقات والأزمان، ومما لا شك فيه أن التجربة التي يعيشها الإنسان -كيفما كانت ظروفها وتأثيراتها- فإنها تكسبه من التمرس والتعقل الشيء الكثير.
كما تخفي له صداقات إنسانية متميزة وتجعله قادرا على اكتساب معارف أفيد له في جوانب عديدة على المستوى الشخصي، المهني والأكاديمي، خصوصا إذا كانت هذه التجربة ذات مستوى عالي وتتخذ من قضايا حقوق الإنسان موضوع دراستها.
لقد كان لي من الحظ نصيب عندما تشرفت بحضور فعاليات الجامعة الصيفية القروية حول حقوق الإنسان في المغرب تحت شعار: (“Agir ensemble pour un monde meilleur” _ العمل جميعا من أجل عالم أفضل”).و
التي تم تنظيمها وتأطيرها من طرف جماعة جيت البلجيكية بشراكة مع اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان أكادير وجماعة بلفاع في الفترة ما بين 08 و14 يوليوز 2018، بدار الطالب بسيدي بيبي.
كما أشرف على تأطير وتقديم برنامج الجامعة الصيفية كل من الأستاذ خالد العيوض والناشطة البلجيكية “Anne-Françoise Nicolay”.
ومن خلال مشاركتي في أشغالها راقني أن أكتب بصدق عن انطباعاتي وملاحظاتي متمنيا أن تستمر مثل هذه التجارب الرائدة، وأن يكون للشباب المغربي الطموح والمبدع فرصة حضور دورات وتكوينات بتأطير دولي رفيع يستهدف بالأساس تنمية قدرات الشباب التنظيرية والعملية في قيادة تغيير مجتمعي، يستظل بثقافة حقوق الإنسان ومبادئ المواطنة.
حقوق الإنسان في المغرب | أهداف الجامعة الصيفية
وبالعودة إلى الحديث عن مبادرة الجامعة الصيفية القروية، فالحكي عما عايشناه من خلالها أمر تعجز الكلمات والعبارات عن وصفه في الحقيقة، ولكننا سنعتصر الأنامل حتى ننتهي بصياغة مقال مقتضب عن الأجواء الباهرة التي تفردت بها هذه التجربة.
من النادر أن تجد برنامجا دراسيا يتيح -للمشارك فيه- إمكانية الجمع ما بين آليات الاكتساب والتعلم وأجواء البهجة والابتهاج، فكذلك كانت أحوال الجامعة الصيفية القروية حول حقوق الإنسان في المغرب، من خلال برنامج مليء بالورشات الأكاديمية وحلقات النقاش الجاد الراقي، يستهدف بشكل أساسي تعزيز مبادئ المواطنة العالمية والتضامنية، وإتاحة الفرصة للشباب المشارك من أجل الانفتاح على العالم والتكوين على القيم الكونية لحقوق الإنسان..
كما أن بين أهم أهداف الجامعة الصيفية تكوين شباب قادر على التعبير عن آرائه حول ثقافة حقوق الإنسان في سياق دولي يتسم بالعولمة.
إضافة إلى تحفيز الشباب على التفكير في صياغة استراتيجيات جماعية من أجل التوعية بقيم الإعلان العالمي لحقوق الانسان “la déclaration universelle des droits humains” عن طريق الأنشطة والمبادرات المتنوعة المرتبطة بحقوق الإنسان وقيم المواطنة.
ولا تفوتني الإشارة إلى أن البرنامج تضمن أيضا ورشات في فنون المسرح والكاريكاتير كان لها وقع إيجابي كبير على المشاركين والمشاركات، حيث ارتكزت على تنمية قدراتهم النقدية، التنشيطية والتواصلية مع الآخرين.
أكثر ما يشد الانتباه في كواليس الجامعة الصيفية هو الاختلاف في فئات المشاركين والمشاركات الذين لا يزيد عددهم عن العشرين، غير أنه اختلاف خلق ثراءً لهذه التجربة.
إذ أنه كان من الرائع وجود ثلة من الباحثين في سلك الدكتوراه وآخرون في سلك الماستر، زيادة على طلبة جامعيين مجازين، حيث وجدنا أنفسنا أمام جمع من الطاقات الشابة الواعدة يضم شبابا ولعين بالمسرح وفنونه، والعمل الجمعوي وأنشطته، والمجال البحثي وارتباطاته.
ساهمت كل هذه العناصر الإيجابية في خلق انسجام كبير بين جميع الحاضرين كان له تاثير واضح على دينامية الأنشطة المبرمجة، كما أن الخرجات الرائعة التي تم تنظيمها خلفت أجواءً من الارتياح والأفراح.
كما أحب أن أشير إلى أن الخرجات لم تكن ذات أهداف ترفيهية للخروج من روتين الورشات فقط بل كانت بمثابة حصص تطبيقية تكميلية لما كنا نكتسبه تنظيريا في الورشات والحصص المبرمجة.
وقد كان اليوم الأخير عرسا احتفاليا بعد أسبوع كامل من التكوين والتعلم الثمين، حيث تخللت سهرة الحفل تقديم مختلف المشاركات التي اشتغلنا عليها خلال ورشات البرنامج بما في ذلك المسرحيات الجميلة و”الروبورتاجات” والتقارير التي تم إعدادها كخلاصة تطبيقية لما درسناه وعايشناه في حصص الجامعة خاصة حول إشكالات حقوق الإنسان في المغرب على المستويين المحلي والدولي.
شباب المغرب وتغيير الذهنيات لمستقبل واعد للمغرب
أخلص إلى أنه في بلد نامي واعد مثل المغرب، غارق بمشاكل التنمية وتمظهراتها، بلد يتوفر على طاقات دينامية هائلة -نمثل إحدى دوافع التغيير المجتمعي والدفع بقطار التنمية نحو الأمام-، متجسدة في الرأسمال البشري من خلال فئات الشباب العريضة.
هنا تظهر أهمية تكوينات بتأطير دولي مثل الجامعة الصيفية خصوصا في مجال حيوي كحقوق الإنسان وإشكالاته.
فلا يمكن الحديث عن طموحات المجتمع في تغيير مستقبلي على مستوى جميع بنيات هذا وطن، دون الارتكاز على عنصر الشباب واستثمار مؤهلاته عن طريق تأطيره وتكوينه بمستوى عالي يشحذ همته في العمل بشكل جماعي نحو بلد يضمن حقوق الإنسان بمختلف أنواعها في احترام تام لحريات الجميع..
أنهي هذا المقال المختصر وكلي أمل بأن تتكرر مثل هذه التجربة التأطيرية التكوينية وأن تشمل أعدادا كبيرة من الشباب المتميز الذي يتوق إلى اكتساب تجارب رائدة في مجالات أساسية في الحياة الاجتماعية للأفراد.
أختم تدوينتي بتوجيه خالص تشكراتي لجميع المشاركين في إنجاح تجربة الجامعة الصيفية حول حقوق الإنسان، الأساتذة المؤطرون والمشرفون على الورشات، الطلبة المشاركين، إدارة وفريق عمل دار الطالب سيدي بيبي، وجميع الجهات التي استقبلتنا في الخرجات، كل من موقعه، شكرا لكم، في أفق تجربة أو تجارب رائعة أخرى إن جاز لنا القول.