في كل ليلة أنظر من سطح منزلي من داخل الظلام إلى تلك اﻷنوار المتلألئة وكأنها جواهر متبعثرة في ظلمات الليل تشع نورا في الأجواء لينعكس على من حولها في هذا الليل المظلم..
أنظر كيف أصبح الممكن خيال وكيف أصبحت العادة حلم وكيف أصبح الأمن خوف..
أنظر وفي قلبي غصة على تلك المنطقة التي تحولت من مكان سلام وأمان إلى مكان حلم ورعب وحقد، حلم في الوصول إليها، ورعب من أفواه المدافع والصواريخ التي كانت مخصصة لتحمي شعبها والتي أصبحت موجهة لمحاربة وقصف شعبها..
كيف تحولت ذكراها بعقل وقلب كل مواطن، من فرحة وسعادة إلى جرح في قلب كل أب ودمعة في عين كل أم..
جبل قاسيون الذي كان يقصده كل سائح وكل عائلة في أيام العطل والأعياد والمناسبات وفي أي وقت شاؤوا، تحول اليوم إلى أحد أكبر الثكنات العسكرية المحرم الاقتراب منها..
كيف كان ينظر في الليل إلى أنوارها التي توحي بالرومانسية والحب، وتحولت إلى أضواء لتوحي بالعنف والظلم والحقد من نيرانها المنبعثة، وتميل النظرة إلى تلك البقعة من الأرض التى كانت رائحة الياسمين تعطر أجواءها وإلى شوارعها القديمة وحاراتها التاريخية والتي سطر فيها التاريخ لحنا في بطولات أبنائها..
فكم مات من أبنائها وهم يحاولون الوصول إلى ساحاتها، وكم من شاب اختفى وهو يمشي في شوارعها، فيا حسرتاه على تلك الأيام والذكريات التي تحولت فيها رائحة الياسمين إلى رائحة البارود والنار والغدر وكيف تحولت ذكرى شوارعها وحاراتها من ماض ممتلئ بالفخر والبطولات إلى حاضر يملؤه الذل والخيانة والخوف..
كيف لي أن أنسى ذلك الماضي الذي ترك ذكرى في قلب كل إنسان حتى لو مرت سبع سنوات من الغياب والبعد الذي فرضه حاكم تلك المنطقة الذي لا يعرف شيء من الإنسانية والرحمة والشفقة..
يبقى للحلم رغبة في التحقيق مهما كانت الظروف، فصبرا دمشق.. صبرا قاسيون.. فأبناؤك الأبطال لن يتركوك فمهما طال الليل فلابد أن يشرق الفجر من جديد.
كاتب التدوينة: أحمد المدني