مما لا شك فيه أن التعليم حق مشروع للجميع بغض النظر عن الفروقات الاجتماعية والاختلافات الجنسية، فالتعليم لا تقتصر أحقيته على ضرب معين من الناس فكما يتلقى ابن الوزير قدرا مناسبا من التعليم فينبغي في أن يتلقى ابن الفقير نفس القدر الذى يتلقاة ابن الوزير، وبالمثل؛ فكما يتلقى الفتى فى مختلف مراحله العمرية التعليم المناسب لتلك المرحلة فينبغى أن تتلقى الفتاة نفس القدر فى نفس المرحلة..
هذة أمور بديهية لا تحتاج منا إلى تفكير عميق ولا إلى دراسة متفحصة لإثبات صحتها خصوصا أننا قد تخطينا عتبات القرن الحادي والعشرين ولم يعد الكثيرون منا يفرقون بين الفتى والفتاة فى مثل هذة الأمور التي قد صارت عندنا مسلمات لا تقبل النقاش والأخذ والرد، فأصبحت الفتاة تتلقى تعليمها على نفس الطاولة وفي نفس المكان الذى يتلقى فية الفتى تعليمه ولا غرابة في ذلك، إن هذا من أهم مبادىء المساواة التى يجب أن نتبعها خصوصا فى العملية التعليمية.
ولكن وبعد أن أصبح تعليم الفتاة شيئا مألوفا لنا ولا غرابة فية رأينا بعض من يهوى الخروج عن المألوف ويرفع فى حياته شعار “خالف تعرف”، رأيناهم وقد ساءهم أن تزاحمهم المرأة فى مقاعد دراستهم وفي أماكن عملهم وقد ازداد بهم الأمر سوءً عندما رأوا أن المرأة بفضل تفوقها، قد تقلدت أسمى المناصب، ثم صارت عضوا فى مجالس النواب ثم قاضية ثم وزيرة ثم رئيسة للجمهورية -في بعض البلاد- فخرجوا علينا بأرائهم التي تطالب بإعادة المرأة إلى الوضع الذي كانت عليه فى القرون الوسطى الغابرة وما قبلها وأخذوا يدعون إلى أن تحبس المرأة فى بيتها وأن لا تخرج لتلقّي العلم، فالتعليم ليس من حقها..
وعندما فوجئوا بأن دعواتهم تلك لم تلق أي صدى ولم تجد أي استجابة بل وجوبهت بردود فعل عنيفة وغير متوقعة من قبل الفئات المتعلمة والمثقفة شرعوا يضيفون على الأمر هالة دينية ويصبغونه بالصبغات العقائدية، ويدعون أن الدين من ألد أعداء تعليم المرأة وأنة يحث الرجال على حبسها فى البيوت وعدم السماح لها بالخروج وأخذوا يؤلون النصوص على حسب أهوائهم ويضعون الأحاديث التي تتناسب ومقاصدهم.
ولكن وكما هو معروف فإن الحق كلمة لها صفة الديمومة، لا يستطيع أحد مهما حاول أو اجتهد أن يمحوها فانتبه الناس لما تهدف إليه مثل هذه الدعاوى، ووقفوا يواجهونها بكل ما أوتوا من قوة، فلما وجد أصحاب هذة الدعاوى أن مخططهم بدأ يضعف وأمنيتهم بدأت تتوارى عن أنظارهم، شرعوا يغيرون طريقتهم تلك فبدأوا يروجون الإشاعات المغرضة والدعاوى القائلة بأن الفتاة التي تخرج من بيتها لتدرس أو لتعمل وتختلط بغيرها من الناس لا تخلو من كونها موضع شبهة لأنها تتعامل مع زملاء لها من الجنس الآخر وربما تكون قد وقعت فى المحظور من جراء تلك العلاقات، ثم بدأوا يضيفون على تلك الإشاعات القصص المختلقة والمواقف المفتعلة، والحكايات الملفقة..
فبدأت هذه الدعاوى تجد الصدى المناسب لها عند بعض الناس ثم اتسعت هذه الرقعة من الذين باتوا يصدقون مثل هذة الأكاذيب، فبدأ الشباب بالأحجام عن الزواج من خريجات الجامعة بحجة أنهن لا يصلحن أن يكن ربات بيوت، فضلا عن أن يكن زوجات، ثم ازدادت الضغوط من جانب أولياء الأمور على الفتيات حتى أجبر بعض الآباء بناتهن بالاكتفاء بالتعليم المتوسط، وعدم تجاوزه إلى المرحلة الجامعية، ثم اكتملت هذه الدائرة بخضوع بعض الفتيات ونزولهن عند رغبة أولياء أمورهن وخطابهن أيضا طمعا في الزواج من ناحية، ومحاولة لإرضاء آبائهن من ناحية أخرى وحرصا على سمعتهن من التدهور بعدما أضحت سمعة أي بنت تنتسب إلى الجامعة فى الحضيض نتيجة لما سبق أن ذكرناه من إشاعات وأقاويل كاذبة نجح مخترعوها في التأثير على الرأي العام لتغيير موقفه من قضية تعليم الفتيات من ناحية ثالثة.
قد يستغرب البعض هذا الكلام، ويظنة مبالغة لا أصل لها وتهويلا لحدث لا وجود له أصلا، والواقع أن ما سبق وكتبته في السطور السابقة كان يتعلق بالفتاة التي تدرس فى المرحلة الجامعية، أي التي تخطت التعليم الأساسي إلى التعليم الثانوي، وتجاوزته إلى المرحلة الجامعية.
وأغفلت الحديث عن الفتاة التي حرمت من التعليم فى سن مبكرة وهي لم تبلغ تلك المرحلة بعد، أو التي لم تتلق أي قدر من التعليم أصلا والواقع أن هذه الفئة موجودة فى مجتمعنا فعلا دون أن يخطر ذاك ببال الكثيرين منا فهنالك الكثير من الآباء الذين يكتفون بحصول ابنتهم على الشهادة الابتدائية ويجبرونها على لزوم المنزل لتساعد أمها فى متطلبات منزلها من جهة ولانتظار ابن الحلال-كما يحلو للبعض أن يطلق علية- من جهة أخرى!!! وبعض الآباء يرى أنه لا ضرورة لذهاب البنت ÷لى المدرسة أصلا لأنها في نظرهم بداية الطريق نحو الانحلال الأخلاقي، فالتعليم فى نظرهم ليس اإا فسادا مقنعا.
ولكن ألا يحق لنا التسائل لماذا كل هذا التمييز ضد المرأة فى مسألة التعليم على وجه الخصوص، مع أنها بعيدة كل البعد عن الخلافات المذهبية والعقد الأخلاقية؟! إنني أعلم كما يعلم الكثيرين غيري أن التعليم ليس له أدنى ارتباط يذكر بأي مشكلات أخلاقية برزت مع ظهوره؛ فلم نسمع في يوم من الأيام أن هناك كتاب يدرس في المدرسة أو الجامعة يحض على الفجور أو الانحلال الأخلاقي، بل بالعكس فإننا نرى أن جميع المقررات التي تدرس للطلاب على اختلاف فروعها العلمية ليس لها أدنى ارتباط يذكر بهذه المواضيع الشائكة عند مجتمعاتنا؛ بل وهي وإن اقتربت منها فإنها تقترب بحكم عاداتنا وتقليدنا دون أدنى خروج عنها حتى لو كانت خاطئة -الأمر الذى نرفضة بالطبع- مع العلم بأن تعليم الفتاة بالذات يوفر على والديها الحرج الذى يضعان أنفسهما فيه عندما تواجههما مشكلات البنت الجنسية عند بلوغها، لأنهما لا يستطيعان إفادتها -أو بمعنى آخر يتحرجان من ذلك، فلماذا لا نترك للمدرسة هذا الدور حتى لا تنمو لدى الفتاة المفاهيم الخاطئة والسلوكيات الغير سليمة نتيجة عدم إلمامها بالأمور الصحيحة التي يجب تعلمها.
يجب علينا جميعا مراجعة أنفسنا، وإعادة النظر في قضية المرأة بشكل عام، وقضية التعليم بشكل خاص فهي أمر واجب الأهمية بالنسبة للجميع لاسيما المرأة وحتى تتخرج لنا أمهات قادرات على تحمل المسؤلية ومجابهة الصعاب وحل المشاكل وتربية أبنائهن التربية الصحيحة العصرية.