“تمخضات” للفنانة التشكيلية “كلثوم القايد” : اقتفاء النور وتحري الولادة

العمل الفني الفريد يدفع دائما نحو الشك ويحفز على إعادة التفكير

لا أزال على اعتقادي بأن ما يجعل العمل الفني فريدا قدرته على تحطيم بضع قوالب جاهزة في دواخلنا ومن ثم إيجاد مساحة نقية تتيح لنا أن نزهر مرة أخرى…

هل سبق أن استمعت إلى موسيقى “نور السبعة” للموسيقار رامين جوادي؟ إن كنت من متابعي مسلسل الفانتازيا الملحمية “صراع العروش” وتمتلك ذاكرة قوية ستتمكن على الأرجح من دندنتها، لكن لو كنت مكانك لوفرت على نفسي العناء وذهبت مباشرة إلى “يوتيوب” لأكتب في خانة البحث “Light of the seven“…

يسرني أن تفعل ذلك إذ كما أخبرتك في العنوان الرئيسي: نحن بصدد اقتفاء النور وتحري الولادة هنا، ربما هناك: لا عليك حقا…

لوحة تمخضات للفنانة التشكيلية كلثوم القايد

تقول التجربة أنه عليك أن تخطو بما يكفي إلى الخلف لتتمكن من رؤية الصورة كاملة وأن تقترب بما يكفي حتى تحيا تفاصيل تمكنت من النفاذ إلى جوهرك من خلال فجوة فيك لا يهم إن وجدت منذ البداية أو وسط كل التمخضات التي نعيشها يوميا تقريبا… سواء أدركنا ذلك أم لم ندرك، نحن نفعل ذلك بدون توقف: مع الأصدقاء، مع زملاء العمل، مع العائلة وخاصة مع شخص غريب نقع في حبه من نظرة أولى خاطفة ونستمر في الالتقاء به صدفة تقترن غالبا بأوقات سيئة نمر بها ثم لا يسعنا أن نعرف عنه أي شيء…

أعتذر حقا، لا أحب المقدمات التقليدية المفرطة في استهلاك القوالب التحريرية المتداولة كما أني لا أجيدها…

“لماذا نسقط يا بروس؟” يسأل رجل طفله الذي كان عالقا منذ دقائق في بئر تؤدي إلى أنفاق يعود بناءها إلى حرب ما، وحيدا مع عدد كبير من الوطاويط، ينصت بروس منتظرا إجابة الأب التي تأتي سريعا “لنتعلم كيف ننهض بأنفسنا…” بوسع كل من شاهد ثلاثية “فارس الظلام” السينمائية الشهيرة تذكر هذا المشهد على ما أظن…

أسألك الآن: تتذكر ذاك الشخص الغريب الذي تحدثنا عنه قبل قليل؟ وقعت في حبه دون سابق إنذار، تلتقيه ساعات القلق حين تكون على الخط الفاصل بين الشك واليقين، فتتذكر أنك تحب لكنك تتذكر أيضا أنك لا تعرف عن ذاك الشخص أي شيء… هل حدث معك مرة أن تذكرت ذاك الغريب القريب في آن فوجدت نفسك أمام سيل من التفاصيل الاستثنائية التي تداخلت مع هويتك عبر سنوات حياتك جميعها؟ هل حدث معك مرة أن تناثر شيء، شخوص، معنى ما يمثل لك الكثير وحاولت جاهدا لملمته؟

أنا على يقين أنك تفهم الآن ما حاولت منذ البناء الدلالي الأول للمقال رؤيته بكيانك، حتى أني أراهن على ذكائك وأستطيع أن أذهب إلى القول بقدرتك على إتمام المقال متحررا من كل هذه الإشارات والملامح الضبابية… فهل تستطيع حقا؟

هي جملة من المعاني ولدتها لوحة “تمخضات” للفنانة التشكيلية “كلثوم القايد”، عمل فني رسم باستعمال ألوان الأكريليك على القماش بأبعاد 60*90…

تسير حيواتنا في بداياتها وفق نسق بطيء، يتسارع، يتسارع أكثر، فأكثر، يبلغ أوجه، وبمجرد بلوغ تلك النقطة يعود للتباطؤ مجددا، ثم يعم السكون… لكن في الحقيقة، ما من نهاية: السكون لا يعني النهاية أبدا، فهو في الحقيقة ميلاد آخر ومحور التقاء ضمن دائرة الحياة والموت…

هو ذاك المبدأ والقانون الأزلي الذي ربما تمكنت من ملامسته في ايقاع نور السبعة، في اتخاذ بضع خطوات إلى الخلف وأخرى نحو الأمام، في التأرجح بين الشك واليقين، في تمخضات عاصفة تضعنا أحيانا بين خيارين لا ثالث لهما: البقاء أو القعر، الخلود أو التهاوي، في اقتفاء النور وتحري الولادة…

Exit mobile version