أصبحنا في مجتمعنا نستيقظ وننام على مقولة “الاختلاف لا يفسد للود قضية” ونرددها باستمرار جيلاً بعد جيل لكن دون فهم حقيقي لمقصدها ومرادها ودون فهم موضوعي لها..
أصبحت هذه المقولة في مجتمعاتنا العربية لا تتعدى كونها مجرد إدعاء للمثالية والفهم، ولكنها لا تمت للحقيقة بأي صلة، لقد وصلنا لمرحلة هي أبعد ما تكون عن معنى هذا الأثر.
والناظر إلى واقعنا يجد أن الاختلاف في مجتمعاتنا نهايته الفرقة والتشرذم والسب والقذف واللعن والتخوين بل حتى التكفير وإحلال الدم.
وعندما ننظر إلى وسائل التواصل نجدها مليئة بالسب والشتم والتخوين والتكفير لا لشيءٍ إلا لأن أحدنا يرى أن قرار زيدٍ حالفه الصواب وفيه مصلحة المجتمع والأمة، والآخر يرى أن هذا القرار فاشل وفيه هلاك المجتمع بل والبشرية، وبعدها تبدأ حفلة من السب واللعن والتخوين، والمرحلة الأخيرة هي التكفير وإحلال الدم..
لقد أصبح هذا الموضوع هو المرض الذي ينهش في جسد الأمة، ويمزقه ويقضي على الوحدة والترابط، والطبيعي أنه لا وجود لمجتمع ديمقراطي في ظل هذه الأوضاع مع غيرها من ظروف مجتمعاتنا العربية، وطبعا في ظل كل هذه الظروف لن يكون هنالك أي تقدم ولا رخاء ولا تطور كل هذا ما هو إلا مجرد أحلام.
لو فهمنا وعقلنا أن الاختلاف ما هو إلا وسيلة لتلاقي الأفكار وتبادل الخبرات والرؤى، والوصول للرأي الصواب كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أضرب بعض الرأي ببعض لأتوصل إليّ الصواب”، فالاختلاف هو سنة الله في خلقه، وكما أخبرتنا الحكم الربانية فاختلاف الناس رحمة، لو عقلنا هذه الحقائق لما تدنى مستوانا ومجتمعنا لهذه الدرجة وما انحدرت أخلاقنا ومُلـِئ مجتمعنا بالجهل.
فالأصل في وجودنا هو الاختلاف، والاختلاف والتنوع وتلاقي الأفكار هو الذي يميز المجتمعات الراقية والمتحضرة عن غيرها من المجتمعات المتخلفة، فالاختلاف هو الأصل في يقظة الوعي وتجدد الفكر وتطور الحياة، لكن أن تقول رأيك ولا تقبل رأيي فهذا ضيق أفق وقلة عقل، وأن تقول رأيك وتعبر عنه بكل حرية، وتمنع أو تحجر على رأيي فهذا إجرام وإرهاب فكري.
عندما يكون الحوار مبنياً علي التعصب والرغبة في الانتصار حتي لو كنتُ مخطئاً عندها لا يوجد نتيجة ستكون النتيجة الحتمية هي الفرقة وتبادل الشتائم والسب والتخوين، لو امتثلنا لقول رسول السلام والإنسانية صلى الله عليه وسلم عندما قال عن العصبية: “دعوها فإنها نتنة”، وعندما قال عنها أيضاً: “ليس منا عاش على عصبية أو حارب أو مات عليها”..
فكل الأديان والأفكار تحذرنا من العصبية وتتبع الهوى، بل الأولى أن نكون موضوعيين ونتناقش بطريقة أساسها فكري ومقرونة بالأدلة ونتقبل كافة الآراء، ومهما اختلفنا لتبقى قلوبنا كما هي، لتبقى أخوتنا وصداقتنا ولا تنقطع أواصر هذه العلاقات لا لشيءٍ إلا لمجرد اختلاف في الرؤي، طالما أن هذا الخلاف كلنا نريد به المصلحة العامة لمجتمعنا ودولنا فلا يوجد أي مشكلة في أن نختلف، بالعكس تماما بل الأفضل لأمتنا ومجتمعاتنا أن نختلف ونضع كل الرؤى على الطاولة ونناقشها بطريقة موضوعية ونتوصل في النهاية إلى ما فيه المصلحة العامة.
للأسف نتيجة للتعصب وغياب ثقافة الاختلاف، دخلنا في مستنقع لا يمكننا الخروج منه إلا بالتوحد والاتفاق والحوار والتوافق علي الأهداف المشتركة، للأسف وجدنا من أبناء جلدتنا من يختلف على أساسيات وثوابت لأي عربي بل لأي مواطن عنده ذرة من الموضوعية والمصداقية، وجدنا من أبناء جلدتنا من يغضب لمناصرة الفلسطينيين حتى ولو بكلمة مبرراً بأن لدينا قضايا أهم وهي الحروب بيننا!!
وجدنا من ينكر حق الفلسطينيين الأصيل الذي أثبتته كل الشرائع والمعاهدات الدولية، أصبحنا نستيقظ كل صباح على وثائق ورسائل مسربة توضح تعاون أحد إخواننا مع أعدائنا وتوضح العلاقات الحميمة بينهم لا لشيءٍ إلا نكاية في أبناء جلدته الذين اختلفوا معه في بعض الرؤى والأفكار.
الناظر في أحوال مجتمعاتنا يتأكد كل يوم من أن أعدائنا قد نجحوا في تطبيق مبدأ “فرق تسد”، فلقد وصلت الخلافات للأسرة الواحدة.
حتى نخرج من هذا المستنقع يجب أن ننظر إلى غاندي عندما قال: “يجب ألا يؤدي الاختلاف إلى العداء وإلا كنت أنا وزوجتي ألد الأعداء”..
ويجب أن نعمل وفقاً لما قاله أحد المفكرين:
“من المقبول أن أختلف عنك، ولكن لا تجعل خلافي عنك خلافاً معك.”