لقد باتت الهوية الإسلامية متقوقعة داخل التصورات الحالية الرائجة عنها من طرف الغرب والتي تربط الإسلام بالنقاشات المتعلقة بالإرهاب والعنف وبالتالي لم تعد قادرة على أن تكون متحررة من كل ما يسقط عليها باستمرار.
في هذا السياق أثار الكاتب فريد حافظ فكرة مفادها؛ بأنه لم تعد الذات الإسلامية اليوم قادرة على التفكير بذاتها خارج نطاق المعرفة الرائج حول الإسلام والذي يربط الإسلام بخطابات الإرهاب والعنف والفصل بين الدين والمجتمع فيمنعها من أن تكون كينونتها في المحصلة.
فحسبه بعد كل عملية اعتداء تفجيري أو قتل للمدنيين في العواصم الغربية من طرف التنظيمات الإرهابية تليها دائما نقاشات حول الإسلام ودوره كدين في الهجمات التي تقع.
من هنا يتضح أن النظرة الغربية ذات التوجه اليميني المتطرف للمسلمين عموما حتى وإن كانوا مواطنين أوروبيين فهم خطر داهم على هذه الدول. إذا فتوجيه النقاش نحو الثقافة أصبح يجر إليه الحديث عن الدين وتبعاته في المحافل الغربية، لكن هذا لا يعني أنه لا توجد أصوات أخرى واقعية من المثقفين ومن المدنيين في الغرب لا تحمل الدين الإسلامي ما يقترفه أولائك المحسوبين عليه.
بدلا من النظر إلى الثقافات والأديان الأثنوقومية كخطوة صدع في الهوية، هنالك حاجة ماسة لفهمها كظاهرة مدمجة سياسيا وصامتة تاريخية، وبأن الأصولية مثل ما تتبناها القاعدة لا علاقة لها بالتراث الإسلامي كما يروج البعض، كما أن النقاش في أوربا قد تحول خلال السنوات الخمسة والعشرين الأخيرة من نقاش حول موضوع الهجرة إلى نقاش حول الرموز المرئية للإسلام..
هذا يعني أنه حتى أعداء الهجرة يجب عليهم أن يعترفوا أن الجيل الثاني والثالث من المهاجرين قد استقروا بشكل دائم في أوربا، وأن الإسلام على هذا النحو قد مد جذوره في القارة الأوروبية أيضا..، فبينما كانت الهجرة سابقا تلقى هجوما من اليمين المحافظ في المقام الأول، فإن الإسلام اليوم يواجه هجوما من اليمين واليسار على حد سواء، بأن الإسلام يجب مقابلته بالتسامح ولكن باعتباره دينا أقل قيمة حسبهم، ولا يمكن منعه بسبب ما يضمنه الدستور من حرية العقيدة لكنهم يستغلون الوسائل التي تتيح تقليص رموز المرئية.
إن المتابع للتطورات على الساحة الأوروبية يلاحظ الجدل الموجود حول الإسلام وما يخفيه من إشكاليات أكثر تعقيدا، مثل السؤال حول طبيعة الهوية الأوروبية وحول دور الدين في أوروبا، فرغم أن اليمين واليسار يتخذان في هذه المسالة مواقف متباينة كل التباين، إلا أننا نرى بعض الحركات الجديدة كحزب الحرية في هولندا الذي يختلط فيها كلا الاتجاهين في التفكير، أحزاب تميل مبدئيا إلى اليمين لكنها تستخدم حججا يسارية..
كما أن هناك رؤية هولندية ترى أن الإرهاب ظاهرة جديدة، وأن كل ما يرتبط به من تجليات كالأعمال الانتحارية وحجز الرهائن وقتل المدنيين كل هذه الطرق قد استخدمتها منظمات أخرى في العصر الحديث قبل القاعدة، كنمور التاميل الذين قاموا بعمليات انتحارية، والمتطرفون اليمينيون في إيطاليا، أما القاعدة وما يسمى بتنظيم داعش ليس تعبيرا عن الإسلام التقليدي ولا حتى الإسلام الأصولي، وإنما هي رؤية جديدة للإسلام ترتدي ثوب إيديولوجيا ثورية غربية.