جمعية شمس وأوّل إذاعة “وردية” في تونس

من الطبيعي جدا أن يثير خبر إذاعة “للمثليين” جدلا وسط مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي بين مستغرب وساخر ومؤيّد ورافض. المسألة في تقديري تتجاوز “الموقف” لأنه في نهاية المطاف انطباعات مجالها الأهواء لا القراءة الموضوعية.

المناخ السياسي العام الذي أنتجته الثورة التونسية جاء لصالح نزوع جديد في أنماط التنظم والعمل المدني عموما. فلئن شهد اليسار “الإصلاحي” المعني بالتنظم الحزبي والنقابي ضمورا لاعتبارات يختلط فيه الموضوعي بالذاتي وأصبح قبلة غير محبذة للشباب والباحثيين عن أنفسهم، فقد قابله انتعاش لأنماط جديدة ثقافية في العمل المدني متمحورة حولة موضوعة الذات والجنس والفن..

لا معنى للحديث “الأدبي” عن تاريخ الجنس في الحضارة العربية الإسلامية، فالمسألة شديدة الراهنية وشديدة الارتباط بواقعها الحالي. هامش حرية التعبير الذي قدّمته الثورة طرح أشكالا جديدة من السلوك الاجتماعي والأخلاقي متأثرا بعالم شديد الكثافة يتقلّص أكثر فأكثر مستفيدا من ثورة العالم الافتراضي وسرعة تنقل المعلومة وتبادل الأفكار. فمن الطبيعي جدا أن تجد هذه الشريحة “الجندرية” مجالا لتطرح نفسها داخل الحقل الاجتماعي وتجاول التبشير بأفكارها والأهم “النضال” من أجل حقوقها الجنسية.

اليسار بالمعنى العام للكلمة لا يستطيع في أقصى الحالات إلا على التعبير عن انزعاج ضمني حتى لا يوصف بالرجعية. ففي الأخير هو مسجون بالمواقف الأخلاقية لمحازبيه المنتمين في أغلبهم إلى أوساط مجتمعية شديدة التقليدية (جولة سريعة في ما ينشر يمكنها أن تمنحنا صورة إضافية عن ذلك).

والأهم أنه يرى يوما فيوم سرقة لمعان الأضواء التي كانت تسلّط عليه عندما كان قادرا على صناعة الحدث المميز سواءا في مواقفه السياسية أو الأخلاقية تجاه القيم السائدة “الرجعية” التي يناضل اليسار ضدها.

يمكننا القول أن “المثليين” كشريحة اجتماعية نجحت نسبيا في الإفلات من الكماشة الاجتماعية السلطوية الخانقة وأمكنها أن تتطارح “الحب” مستفيدة من هذا العالم الموازي الناشئ حديثا.

مثال بسيط عن كيفية خلق “الإشباع” التي يمارسها المثليون حديثا. الموعد الغرامي يخلق اعتباطيا عبر برامج مسح جغرافي موجودة في الهواتف الذكية applications يمكن المنخرطين فيه من خلق نادي افتراضي ضخم يسهل عمليا المواعيد الحميمة.

مثال أخر ربما هو الأهم في تقديري مجموعات الفيسبوك المغلقة، إذا يكفي الانخراط فيها عقد موعد غرامي مثلي عبر طرح “الشروط” التي يبحث عنه “المثلي” مع تبادل صور جنسية للجسد والمكان وغيرها..

ربما أصبح علينا تحت وطأة الإجبار القهري أن نتحدّث في هذا الموضوع، لأنه على ما يبدو تجاوز بأشواط كل إمكانية خلق نقاش فيه في مستوى البدء..

المثليون حالة واقعية توجد في تونس، وهي أكثر من أنها أمر واقع تحولت إلى سياق منظم تطور بسرعة مستفيدا من منابع دعم مختلفة “مدنية”.. المجتمع التونسي يتحرك بسرعة ولا مكان للعودة إلى الوراء.