جَارِحَةُ الأَذى

أَخرَجْتَ الخُبثَ مِن غِمدِ الحِقدِ لَهِيباَ
مُوقَداً بِفَتيلِ الأذى حَميماَ

قَذَفتَ بِسوُءِ قُبحِكَ مُحَصَّناَ
فَلمْ تَزِدهُ بِقُبحِكَ إِلاَّ طِيباَ

مَلَأْتَ جُعبَتَكَ كُرهاً عَجيباَ
لَمْ يَسلَم مِّنهُ العَدَُّوَّ والصَّدِيقَ

لَو أَنَّكَ بالحِلمِ مَلَأْتهَا
لَصِرتَ بَينَ النَّاسِ مِصبَاحاً منِيراَ

هِيَ جارِحَةً لباقِي الجَوارحِ آسِرَ
كُلَّما أَصبَحْتَ يُقَالُ لهاَ: اتَّقِ ﷲ فينَا

إِنَّما نَحنُ بِكِ، اسْتَقَمنَا
بِاسْتِقامَتِكِ، وبِاعْوِجاجِكِ اعْوَجَجْنَا

لَو أَنَّكَ نثَرْتَ بَدَلَ الخُبْثِ عَبِيراَ
لَوَجَدتَ فِي نَفسِكَ لِلخَيرِ سَبيلاَ

لاَبْتَسمتْ ثُغورُ النُّورِ فيهَا
ابْتِسامةَ تَحرُّرِ السَّجين

مَا لِي عِنْدِكَ غَيرَ اسْتِقامتِي مَطلَباَ
وسَلاَماً علَى كُلِّ جاهِلٍ سَلاَماَ

أَياَ أَكُفّاً لَم تَزِرْ زُوراَ
وَأَلسِنةً باللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماَ

أَيَا فَتىً صَاحَبَ صَمتَهُ مَسرُوراَ
وإِذَا تَكلَّمَ رَفَعَهُ كلاَمهُ قَدْراَ

لاَ تَجِدُ فِي صَفوِهِ مُتَّسَعاَ
لِلشَّرِّ، ولاَ ترَى بَعدَهُ تَكدِيراَ

كَأَنَّهُ نَخلٌ هَبَّتْ عَليهِ رِيح
وعَن مَكانِهِ لم يُزَحزَحْ أَو يَحيدَ

جَميلٌ أَن تَكونَ لِلجُروحِ بَلسَماَ
وَتَكونَ الدَّواءَ لِكُلِّ سَقَمَ

مَا فِيكَ عَظْمٌ وَفيكَ البَلاَ
ولاَ تَخوضُ إِلاَّ في الأَذَى

أَينَمَا حَلَلْتَ يَحِلُّ الاِفتِرا
ولاَ يَمُرُّ يَومٌ دُونَ أَن تَتَدَنَّسَ

هَذَا وذَاكَ مِن قَذفِكَ لَم يَسلَما
وآخَرانِ لاِفتِراءَاتِكَ يُصغِيَ

اتَّقِ ﷲ وكُن مُعرِضاَ
عَن كُلِّ لَغوٍ، ولاَ تَكُن غَافِلاَ

شَرُّ النِّفاقِ مَا سَلِمَ مِنهُ المُصطَفَى مُحَمَّداَ
وَهُوَ الطَّاهِرُ الَّذِي جَاءَ لِلأَرضِ مُشَرِّفاَ

يُرمَى الصِّدِّيقُ وَتُرمَى الزَّهرةُ عائِشَة
بِفرْيَةٍ، تَمُوجُ المدِينَةَ شَهراً كَامِلاَ

كَم مِّنْ وُجُوهٍ هَبتَهَا
وحِينَ تَكَلَّمَتْ عَرِفتَ قَدرَهَا

كَم مِّنْ هَيْئَةٍ اسْتَصغَرتَهَا
وحِينَ نَطقَتْ عَجِبتَ لِحِكمَتِهَا

كَم رَفَعتَ إِلَى القِمَّةِ أَشخَاصاَ
وَخَفَضْتَ فِي المَنزِلَةِ أَشرَافاَ

إِنَّا نَشهَدُ اليَومَ حَرباً هَوْجَاءاَ
لاَ يَخلُو مِنهَا زَماناً ولاَ مَكَاناَ

نَارُ الفِتنَةِ أَشَدُّ اشْتِعَالاَ
وَكَلِمةً واحِدَةً شَنَّت قِتَالاَ

تَحرَّى الصِّدقَ في الأَقَاويل
فَأَغلَبُهَا لَيسَتْ إِلاَّ أَباَطيل

تَجَنَّب القَولَ بِغَيرِ عِلم
كَي لاَ تَقَعَ فِي بِئرِ الظُّلْم

خَيرُ الكَلاَمِ مَا دَلَّ وَقَلَّ
وشَرُّهُ مَا ذَلَّ وضَلَّ

اجعَل لِسَانَكَ صبِيباً نَافِعاَ
تَسْقِي بِهِ الشَّوكَ فَيُزْهِرَ

ولاَ تَجْعلهُ رِيحاً صَرصَراَ
يُميتُ الشَّوكَ وإِن أَزْهَرَ

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version