نبذة عن مجموعة قصصية “حربُ البقاءِ”

تعتبر حرب البقاء لصاحبها سفيان البراق، هي فسحةٌ جميلة لتعبيرهِ عن ما حدثَ له من مشاكل وإكراهات نكَّدَت عليهِ حياته.

وقد تظهرُ لكم بعض الأحداث أنَّها لا علاقة لها بالواقع. لكنَّ الكاتب الواعد استطاع أن يحكي بعض حكاياتهِ دون أن تدري هل هي من وحي الخيال أم لها علاقة بالواقع.

إنَّ حرب البقاء هي مجموعةٌ قصصية نُسِجَت بخيطٍ ناظم، وقد كتبها الكاتب أيام الدراسة في الكلية.

ويتميَّزُ أسلوبه بطابعٍ مغاير عن باقي الكُتَّاب، إذْ له القدرةُ على مزجِ الواقعِ بالخيال دونَ أنْ يعلمَ القارئ بهذا المزج الغريب من نوعه.

حرب البقاء | 12 قصة من رحم الواقع

وتتكون هذه المجموعة القصصية التي بين أيدينا من مجموعة من القصص، هذه القصص ليست اعتباطية، بل إنَّها تمسُّ الواقع بطريقةٍ غير مباشرة.

إنَّ بعض القصص المتواجدة في هذا العمل الإبداعي قد كُتبت من رحمِ الواقع، كتبها كاتبُنا بكلِّ موضوعية، وهنا الحديثُ عن الخروجِ من الذاتية.

فقد استطاع سفيان البراق تحدي الذاتية وخرج منها دون سابقِ نذير.

حرب البقاء تتكون من 12 قصة بين القصة القصيرة والطويلة.

وقد كتب البعض منها من وحي الخيال، والبعض الآخر من رحم المعاناة.

لم يتم وضع العنوان حرب البقاء اعتباطيا، بل إنه عنوان رمزي إشاري، فالكل في حالة حرب وصراع مع الحياة سواء كانت هذه الحرب مباشرة أو غير مباشرة.

هذا العمل الإبداعي حينَ ستقرأهُ عزيزي القارئ سَتُحِسُّ وكأنَّ الكاتب الشاب سفيان البراق يقصدك أنْتَ بلغةٍ رمزية إشارية، وستجدُ أيضاً في هذا العمل الجميل شيئاً جديداً وهو الخروجُ عن المألوف.

فالكاتب له أسلوبٌ يستهوي القارئ لأنَّ لغته تحملُ في طياتها مشكلات إنسانية عميقة. يمكنُ لأي شخص أن يفهم ما كتبهُ الكاتب، ولكن من الصعب أن تُحِسَّ بما كانَ يُحِسُّ به الكاتب حينما كانَ يَكتب.

وهذه بعض المقتطفات من هذه المجموعة القصصية:

هذا نص من حرب البقاء

“ذات مساءٍ خريفي، كانت الطيور تعودُ إلى أعشاشها المَكشوفة، والعلامات الملفوفات في الحايك يسرعن من الخطى إلى منازلهن، كان الصخبُ يتلاشى شيئاً فشيئاً، رائحةُ البحر وصوتُ الأمواج وهي تصطدمُ بالواجهة الأمامية للميناءِ الصغير.

أنجلو كان يرى كلَّ هذا وفي عينيه غيمةٌ من الحزنِ، كادت تُمطِرُ أو بالكادِ أقلقت صفاءَ عينيه، أشعلَ السيجارة وحاولَ أنْ يداري حزنهُ، التفتَ إليَّ مدركاً تطلعي إليه وتفرساتي التي كادت أنْ تغوصَ داخله، كان يريدُ أنْ يوفر عليَّ كل هذا العناءِ.

ما بقيَّ من الوطنِ سوى ذكرياتٍ شاحبة، ذكرياتُ طفل، أحياناً كان يزورني ويضعُ بين يدي باقةَ وردٍ بريّ ويمضي أعرفُ أنَّ من لا وطنَ له لا فرحَ له.

كلَّما تذكرتُ تلك الليالي الطفولية في القرية، أحسستُ بالدفءِ يسري في جسدي، وبالامتلاءِ يغمرني، فأحِسُّ بأنَّ لي جذوراً ستستطيلُ لكي تشربَ من نبعِ الوطن، والآن الزمن الذي مضي والسنين الطويلة أبقيا داخلي شيئاً كالموتِ ينشرُ أطيافهُ على حبالِ العُزلة”.

“في مكانٍ من هذا العالم، كانت هناك فتاةٌ عشرينية، جميلة بالمقارنة مع بناتِ تلك الحقبة، ولكن الفقرَ أخذ بهاءَها وحرارةَ شفتيه.

كانت تجلسُ بظلِّ الأغصانِ مترنمةً مع العصافير، باكيةً مع الأنهار الجارية، حاسدةً البقرةَ على وفرة المأكل.

عندما تغيبُ الشمسُ، تودِّعُ نهاراً مرَّ في لمحِ البصر، ترجعُ إلى ذلك الكوخ وتلتهمُ خبز الشعير مع قليلٍ من الزيتِ، ثم تنامُ مفترشة القشَّ اليابس الذي أكل عليه الدهر وشرب، وتنام وفي مخيلتِها أحلام تتجول، وتتمنى لو كانت الحياةُ كلها احلامٌ ولا وجودَ لليقظة.

مرَّت أعوامٌ وأعوامٌ على كوثر المسكينة، الحزينة، الكئيبة، دائما تنتابُها الأحلامُ والهواجس مثلما تتناوبُ القطعانُ مجاري الماء.

رأيتها ذاتَ صباحٍ معفرٍّ بالغيوم، فكانت بيضاءً لا تشوبها شائبة، جالسةً وعيونها تسقطُ كلُّ من رآهما، ذاك الصباح أدركتُ لا بلْ قطعتُ الشَّكَ باليقين، أنَّ للجمالِ لغةٌ سماوية، الجمالُ سِرٌّ تفهمهُ أرواحنا، رأيتها، فكانت مرتديةً ثوباً وردياً من الحريرِ الناعم، عيونها تلمعُ كلمعانِ الذهب الخالص.

ثم أخذت يدي بيدٍ تُضارِعُ زنبقةَ الحقلِ بياضاً ونعومة. وكنت أمامها ملاكاً أخرساً”.

Exit mobile version