كان حلما صغيرا يكبر معها كلما كبرت الصبية الصغيرة التي بداخلها “نور” ، طفلة صغيرة طموحة وحالمة، حلمها أن تخط يداها أخبارا عن فلسطين وسوريا والعراق وكل البلدان الإسلامية في جميع أنحاء العالم .
بقي هذا الحلم مخبأ في قلب “نور” ولم تستطع أن تبوح به أمام أحد لكي لا تسخر منها قريناتها، في إحدى الأيام زار أحد المدرسين الفصل الذي تدرس به نور وبدأ يسأل التلميذات عن أحلامهن، فخطر ببالها أن هذه قد تكون فرصتها لتبوح بحلمها المدفون، جاء دورها فسألها المدرس: هيا يا نور أطلعينا عن حلمك ماذا تريدين أن تكوني؟ احمرت وجنتاها خجلا وهي تقول بصوت منخفض: لكن أظن أن حلمي مستحيل وصعب يا معلمي.
قال المدرس وهو يبتسم: ليس هناك شيء صعب يا صغيرتي، هيا أضيئي علينا بحلمك. همست في قرارة نفسها: هيا تشجعي يا نور، ثم قالت بصوت تملأه الثقة والحماس: أريد أن أكون صحفية يا معلم. بدأت زميلاتها بالضحك، فأطرقت رأسها في خيبة فهذا تماما ما كانت تتوقعه؛ هن أيضا لهن أحلام عديدة لكن المحيط الذي تربين فيه لم يكن يسمح للفتاة أن تعبر بصوت مرتفع عن أحلامها بل وجعل أقصى أحلامهن تنحصر في الزواج وتكوين أسرة فلم تكن لإحداهن الجرأة لأن تقول ما تريد مثلما فعلت “نور” .
قال الأستاذ: هدوء يا فتيات، صمت من فضلكن؛ ثم واصل: نور تعالي إلى هنا: حلمك جميل بل رائع يا صغيرتي، وأنا بدوري سأشرف على أن يتحقق لك هذا الحلم مؤقتا. اتسعت عيناها دهشة وفرحا، فبدأت الوشوشات بين الصفوف، ثم قالت ونبرة السعادة لا تخلو من صوتها: كيف ذلك يا أستاذ؟ ما رأيك يا نور أن أعطيك مهلة من الوقت تبحثين فيها جيدا ثم تكتبين لنا مقالا عن موضوع من اختيارك ثم نجعلها تعرض أمام كل تلاميذ المدرسة؟ تهلل وجه الصبية وهي تقول: أنا!! حقا! لكن…
أجل أنت يا نور، استعدي جيدا، ستكون هذه مهمتك وخطوتك الأولى، وبفرحة عارمة قالت: شكرا لك أستاذي، تأكد أنني سأكون عند حسن ظنك ولن أخذلك أبدا، بات وجه نور مشرقا وهي تفكر أن حلمها سيتحقق حتى لو كان ذلك لوقت محدد إلا أنها على الأقل ستكون بداية التجربة لها، وكانت تفكر بفرح أنها ستقف بكل ثقة أمام كل التلاميذ وهم الذين كانوا يسخرون منها ويستهينون بقدراتها.
تخيلت فرحة أمها في قبرها حين يقف كل التلاميذ وهم يصفقون لابنتها وأنها ستكون فخورة بها. انتهت المدة المحددة وكانت نور فوق الخشبة على أتمِّ استعداد ومقالها الذي كان حول “أطفال فلسطين بين الماضي والحاضر”، جاهزا ومكتملا فقد عملت عليه بجد وإصرار.
وما إن قرأت جملتها الأخيرة بصوت عال “فلسطين عربية، فلسطين أرض المسلمين” حتى اهتزت القاعة بالتصفيقات وعيناها الصغيرتان دامعتان من شدة الفرح وأمامها صورة أمها وهي تبتسم مفتخرة بها. نور الآن كبرت وكبر أملها؛ إن حلمها بات سهلا أن يتحقق ولم يعد صعب المنال .