الانفصال الكلمة الأبرز اليوم في عالم السياسة.. فلا تخلو شاشة اليوم من أخبار إقليم يدعو للانفصال عن دولة، ولا صوت اليوم يعلو فوق صوت المطالبين بالانفصال.
من إقليم كردستان شمال العراق انطلقت حمى الانفصال وقبل أن تنتهي الضجة الكبيرة التي أثارها والتي من المتوقع أن تزيد العراق والمنطقة سوء على ما هي عليه من الحروب والصراعات، جاء الدور على كتالونيا الإقليم الأشهر في إسبانيا وأوربا.
استيقظ العالم صبيحة الأحد على استفتاء انفصالي آخر، وهذه المرة أوربي كتالوني.. حين احتشد الآلاف من أبناء كتالونيا أمام صناديق الاقتراع للتصويت على استفتاء الانفصال عن إسبانيا.. وهو أمر رفضته حكومة مدريد كرفض حكومة بغداد لاستفتاء العراق، مع فارق استخدام القوة فالشرطة الإسبانية فرقت بالقوة بعض الكتالونيين وأصابت العشرات منهم مما زاد من إصرار الكتالونيين على المضي قدما نحو الاستفتاء والانفصال.
فلم تثنهم مظاهرات مدريد الرافضة للانفصال ولا تهديدات الحكومة الإسبانية، ولا إسبانيا التي ستخسر كثيرا لو انفصل عنها الإقليم القوي اقتصاديا ورياضيا.
ستخسر إسبانيا كل الموارد والمنتجات والصناعات القادمة من إقليم كتالونيا، طالما كان له الدور الأبرز في تنمية اقتصادها، وستخسر إسبانيا رياضيا أكثر من خسارتها الاقتصادية..، فسيصبح الدوري الإسباني بدون برشلونة الأفضل في العالم ولن يصبح لدوريها الأول في العالم طعم بدون ميسي ورفاقه، وسيخسر المنتخب الإسباني نجوم برشلونة الذين كان لهم الفضل في تتويجها بكأس العالم وبطولة أوربا مرتين متتاليين.
أما عشاق الساحرة المستديرة فلن تكون خسارتهم أقل من خسارة مدريد وحكومتها، إذ سيحرمون من كلاسيكو العالم ومن التنافس بين قطبين عريقين هما برشلونة وريال مدريد.
أما الخسائر السياسية فإسبانيا سيقتطع من أرضها إقليم كبير بقيمة كتالونيا.. فأي خسارة فادحة ستحل بالدولة الأوربية العريقة؟ وأي كابوس تعيشه اليوم بسب دعوات الانفصال التي غضت مضاجع دول كبرى أولها العراق وليس آخرها إسبانيا؟
إنها بداية حمى الانفصال وستفتح الطريق أمام كل طائفة أو إقليم راغب في الانفصال عن دولته فستكون كردستان أسوة حسنة وكتالونيا وإقليمها هي القدوة للجميع.
فمن يتحمل مسؤولية انتشار حمى الانفصال؟ من غير حكومات تلك الدول التي ظلمت الأقاليم وحرمت أهلها من أبسط حقوقهم ولم تنجح في إدماجهم في دولهم الأم وفي مجتمعها؟.. حتى أحسوا بالغربة عنها وعدم الانتماء إلى ذالك الوطن وصاروا يطالبون اليوم بأن تصبح لهم أوطان أخرى.
من غير المنظمات الدولية والسياسة الدولية التي تتلاعب بالأقليات والأقاليم وتعشق لي ذراع الدول واللعب بأوراق حقوق الأقليات وحقوق الإنسان وغيرها؟.. فراحت ترغب كل إقليم في الانفصال عن دولته وتحت شعار فرق تسد نفذت مشروعها الانفصالي وزينت لسكان الأقاليم سوء أعمالهم.
إقليم كاتلونيا ليس أول المنفصلين ولن يكون آخرهم فانتظروا المزيد من الاستفتاءات الداعية للانفصال ما لم تجد الدول حلولا عاجلة لمشاكل سكان الأقاليم المظلومة والتي تحس باضطهاد الوطن لها وأن الوطن هو للجزء وليس للجميع.
حمى الانفصال انطلقت فإما أن يعالجها الساسة أو يتركوها تتفشى أكثر فأكثر لتتحول دول كبيرة كان لها شأن عظيم إلى دول صغيرة متصارعة ومتنازعة.
كردستان بالأمس وكاتلونيا اليوم.. فمن القادم غدا؟ أو على الأصح ما القادم غدا؟ وماذا يخبئ لنا الغد من مفاجاءات سياسية؟