خافير كارسيس: الأدب والنقاش وحرية التّعبير

خافير كارسيس أديب وروائي إسباني معاصر، حائز على جائزة بلانيتا لعام 2019. له تسع روايات، منها: المحتال، وجنود سلامينس، تحكي عن الحرب الأهلية الإسبانية ومحنة الجنود آنذاك، و تيرا ألتا رواية بوليسية تحكي قصة شرطي شاب، وجد في “البؤساء” لفيكتور هوغو دليلاً لفهم حياته في برشلونة بالأحياء الفقيرة.

واجب الأدب

من واجب الكاتب أن يكون صادقاً مع نفسه، هذا التزامٌ من الكاتب نفسه. مع أنّ بعض واجباتي في كتبي قد تبدو حسّاسة ودقيقة، وأنت محق في ذلك، لكن ينبغي للروايات أن تستفزّنا وتحفّزنا على التفكير.

قال بروست: الأفكار الجيدة ليست التي تتطلب الموافقة عليها، بل تثير ردود الأفعال. الفكرة الجيّدة هي التي تُجبرك على الإجابة؛ لأنّها تولّد مزيداً من الأفكار. الكاتب الذي لا يخاطرُ ليس كاتباً. الكاتب الجبان هو الذي يفشل في أداء مهمته كالمقاتل الجبان، إنه مخطئٌ فيما يقوم به.

الكاتب عليه أن يُبحر في الأعماق، ويدخل مناطق حسّاسة؛ ليقاتل كمصارعي الثيران!

إذا كتبت رواية عن الحرب الأهلية ولم ينتقدك أحد، فالرواية سيّئة. الكاتب الذي يكتب من أجل أن يرضي الآخرين ليس بكاتب.

حقيقة الروايات

الكاتب عليه أن يكون متوازناً في كتابته. لماذا؟ لأنه يمنحُ أسباباً لشخصياته الروائيّة. هذا هو الفن العظيم والفن الحقيقي. أما الفن السيء لا يقول لك بأن هذا سيء وأنت جيّد.

في حياة الكاتب له آراؤه كأي شخصٍ آخر. حقائق الرواية متعددة الأغراض، وغامضة، ومتناقضة أيضاً. دون كيخوته، مجنون وعاقل، سخيف، وبطل؛ هكذا هي حقائق الأدب. ما حدث أن سيرفانتس له أفكار خاصة به في الحياة بشأن الامبراطورية، كان المؤكد أنّه سيوضّح هذه الأفكار. بعبارة أخرى: الرّوائي لا يستطيع أن يقول نعم أو لا، بل ذلك من صميم عمل المفكّر حين يدخل في مناقشةٍ في شأنٍ عام.

حالة فارغاس يوسا هي حالة نموذجيّة فهو كاتبٌ ضد القوميّة ويرى بأن القومية سيّئة للغاية، ويقول ذلك بكل وضوح في مقابلاته وفي مقالاته ومعارضه. لكنه في “حلم سلتيك” وهي رواية عن قومي تنحاز إليه؛ لأنك ستتفّهم أسبابه.

فارغاس يوسا ضد التعصب الديني والسياسي، وهو ليبرالي مستعدّ دوماً لتغيير رأيه إذا تمّ إقناعه. كتب “حرب نهاية العالم” وهي قصة ضد المتعصبين الذي يؤول بهم الحال إلى تفجير أنفسهم. حين تقرؤها فستكون في صفّ المعجبين بها. ستشفقُ عليهم حتماً، وستحاربهم أيضاً. هذا ما يفعله الأدب العظيم.

الفن التربوي

هناك تيّار يميل إلى الفن التربوي، وهو تيار يدعو لموت الفنّ. إنّه كارثة مأساويّة للأسف!

شكسبير ليس مربيّا، على الرغم من أنّنا نتعلّم أشياء كثيرة منه. الفنّ والأدب مفيدان للغاية، وعلى عكس ما كنت أؤمن به حين كنتُ صغيراً. سعيد وغير واثق من ذلك، حين أردتُ أن أصبح كاتباً ما بعد الحداثة.

في اللّحظة التي يصبح الأدب مفيداً، يصبح تربويّا أو دعائيّا. وتحوّله إلى أسلوب للتربية أو إلى الدعاية يجعله أدباً منحطّاً، كما أنّه عديم الفائدة والقيمة، ولا جدوى منه.

وودي آلان يلامُ على أفلامه التي يقلّ فيه وجود السود. اسمع، من واجبه أن يصنع أفلاماً جيّدة، معقدة ومضحكة، والمساواة في ذلك شيء رائع، لكن لا علاقة لها بجودة الفنّ!

تكلفة حرية التعبير

خافير كارسيس

آرائي كمواطن عام [بتعبير ثقافي] كلّفتني ثمناً باهظاً للغاية. هذا شيء صعب بالنسبة لي ولعائلتي، والتي أُفضّل عدم الدخول فيها. لا أمتلك حساباً على التواصل الاجتماعي. لا أعرف إلا ما يحدث على السطح عندما تسقط القذارة، عندما تدوي الفضيحة، ولكن على الإنسان أن يعتاد على الإهانة والشتم، وأن يتجاهل ذلك بغلق أذنيه.

من الكذب القول بأن الأشياء لا تؤثر عليك، هذا خطأ تماماً. إنها تؤثر عليّ، ومن يقول غير ذلك فأنا لا أصدّقه. وهذا ثمن وجب أن يدفعه المرء.

لقد كلّفتني آرائي حول قضايا عديدة ومثيرة، كالقرّاء، والأصدقاء، والمال. لكن ماذا عليّ أن أفعل؟ سأصمت. إذا كنت أعيشُ في نظامٍ شمولي، وديكتاتوري وخاطرتُ بحياتي فربما لا أمتلكُ خياراً آخر. لكنّني أعيشُ في دولةٍ ديمقراطيّة بينما العالم حالته سيّئة. لا رغبة لي في أن أتظاهر بأنه لا يحدث شيءٌ حولي. كل شخص له رأيه، وأنا ببساطةٍ أُبدي رأيي، بالإضافة إلى أنّني كاتبٌ فأنا مواطنٌ يدفع ضرائبه، ويعيش في ظروف وبلدٍ معيّنة.

المفكّر مقابل الروائي

يقول كونديرا: الكاتب الذي يتدخّل في الحياة العامة بآرائه السياسيّة، يضرّ كثيراً بعمله. إنّه مضرّ للغاية؛ لأن الناس تتمسّك بآرائها، والعمل هو الذي يميّزهم عن بعضهم البعض. أفضل ما يقوله الكاتب، يقوله في كتبه ولا يعرضه في آراءه السياسيّة.

كمثال حالة فارغاس يوسا في روايته. لماذا تسعين في المائة من الناس يعرفونها؟ لآرائه السياسيّة، وهذا ما يحدث لي. لماذا يعرفني الكثيرون في كاتالونيا؟ ليس لرواياتي، بل؛ لأنّني رجلٌ سيّء في الفيلم. هذا صحيح. إنه ثمن ينبغي دفعه.

موت النقاش

النقاش الجاد في هذا البلد أو في أيّ بلدٍ آخر يعتبر قليلا جدّا؛ لأن المناقشة الجادة تعني القراءة والتفكير والجدال. ينبغي أن لا نفصل هذا الشيء عن نفسه ولو قليلاً، وفي بلدنا أكثر؛ لأسباب تاريخيّة.

ما يجري هنا حلبة صراع مع أندية ميّتة. قبل كلّ شيء، إذا كان ضدّ شخص معروف؛ لأن من يسقط في الأندية بهذه الطريقة يستفيد من هيبته. إنه أمر مقزّز، وموحش، وحقير. إنهم محرد جشعين، حشودٌ من الجشعين تسرع لصناعة الدم وتستمتع به.

أتمنّى أن يكون للنقاش واقعية أكثر. نأمل أن تستفز الروايات ردود الأفعال. لا أعلم ما هي الروايات الاسبانية التي تثير الجدل. لماذا؟ من بين أسبابٍ أخرى عليك قراءة الرواية أولاً. أما الكُسالى فيقرؤُون العناوين فقط!


بقلم: خافير كارسيس. | ترجمة: منعم الفيتوري.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط (خافير كارسيس)، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي يوث.

Exit mobile version