أصبح من الصعب أن تتحدث إلى أحدهم دون أن يتحول الحديث بصورة ما إلى نوع من المُبارزة التي تتجاهل المشاعر، وتفتقر للاحترام حتى أنها أحيانا تخلو من الإنسانية.
ذاك الذي يبدأ فيه أحد الطرفين بمبارزة الآخر، فذلك يقول أنا قد تحملت الكثير وأنه يتألم حد السماء فيجيب الآخر أنه قد تحمل أكثر وأنه يتألم حد الأرض!..
ويظل كلا الطرفين يسخر من مشاعر الآخر ويعلو ويسمو بمشاعره وكأنه يملك كل مشاعر وحزن أهل الأرض وحده أو لعله أبونا آدم الذي حملته البشرية مسؤولية وجودنا على الأرض فكلما مر أحدهم بضيق وألم، ظل يذكر التفاحة التي جعلته يمر بذلك الضيق وأنه لو لم تكن التفاحة لكان ينعم بالجنة الآن..
لما لا يتقبل أحدنا معاناة الآخر دون التقليل منها أو أن يقحم نفسه في مقارنة دون داعي ودون وجه حق، لما لا نتقبل حقيقة أن بصورة أو بأخرى الجميع يعاني..
كما أن الله سبحانه وتعالى لم يعطى كل واحد منا قدرات متساوية على تحمل الألم والمعاناة، كما أن هناك من مر بالألم بوقت مبكر مما جعله أكثر قدرة على تحمل الألم من غيره.
وهناك أيضاً من يغضب بسرعة وهناك من يفرح بسرعة ويحزن بسرعة ويرضى بسرعة؛ نحن لا نملك نفس العين وبالتالي لا نملك نفس الرؤية ولا نفس المشاعر.
ليس بالضرورة أن يكون هناك من هو أكثر وأقل، تلك أشياء لا تقاس ولا تُكال بمكيال. وهكذا أيضا مشاعر الحب والفرح فكلن يعبر عما يشعر به كما يحلو له، ولا تملك أي وجه حق أن تتهم أحدهم بأنه يحبك أقل أو لا يحبك لمجرد أنه لم يفعل كما فعل آخر.
“خَالِطُوا النَّاسَ مُخَالَطَةً إِنْ مِتُّمْ مَعَهَا بَكَوْا عَلَيْكُمْ وَإِنْ عِشْتُمْ حَنُّوا إِلَيْكُم.” علي بن أبى طالب
لماذا أصبحنا ننظر لكل تلك الأشياء بعقولنا فقط؟ لما لم نعد نستشعر ذلك بقلوبنا؟ لما لم نعد نملك القدرة على الإحساس بالآخر؟ حتى وإن لم يكن بيدك ما تفعله إزاء ما يشعر به الآخر فمازال بإمكانك أن تستمع له، أن تشعر به، أن تخبره ولو بنظره عينيك أنك تشعر به؛ الكلمة الطيبة لن تكلفك شيء.
متى سينتهى هذا السخف؟
سخفنا من مشاعرنا ومن مشاعر الآخرين وحتى الكلمات حتى كدنا نصبح خاويين من كل شيء.