خذوا العبرة من الذئاب

عندما تكون أنثى الذئب حبلى تكون في حالة نفسية متعصبة للغاية، هذا التعصّب يتحوّل إلى توحش بعد الانجاب، ليس طبيعة غريزية فقط، وإنما هو أسلوب حياة، حيث تكون في هذه الفترة (ما بعد الولادة) في حالة الدفاع عن صغارها ضد الخطر المحتمل، ولك أن تجرّب الاقتراب من أبنائها يا عزيزي أثناء فترة توحشها تلك، الاقتراب من ذئبة في حالة كهذه معناه تنفيذ حكم بالإعدام في حق ذاتك، حيث لا يصبح أيّ أمر آخر أهمّ من صغارها، حتى حياتها لن تعود مهمّة بالنسبة لـها عندما تشعر أنّ أحدا قد اقترب من عرينها الصغير.

هذه الصورة الحية لتصوّر غريزي للحياة عينها تجعل أيّ متأمّل يحمل الكثير من الاحترام لرابطة الأمومة، تلك العلاقة المقدّسة والإنسانية للغاية بين الوالدة وابنها الصغير الضعيف الملقى بين أمواج الحياة فجأة، وللقارئ تصوّر ما قد تقدم عليه أيّ “أمّ” تحمل الكثير من مشاعر الانتماء باتجاه صغيرها عندما تحمله بين أحضانها، ستتحوّل إلى ذئبة في الحال، إن ما أحسّت بخطر ولو على سبيل “نزلة برد” قد تصيب ابنها.

أيّ أمّ ستعشق ابنها حدّ الثمالة، تحميه بفداء نفسها من أجله، وتحمل الودّ له حتى ولو أساء إليها، إذ أنّها تحبه بلا مقابل، وتحسن إليه بلا تأخّر، وتعمل على جعله سعيدا دون أن تنتظر مكافآت أو هدايا، لأنّ الأمّ لا يمكن أن يعوّض فقدانها أيّ امرأة أخرى، مهما بذلت من جهد لذلك.

كثير من النسوة يتمنّين لعب دور الأم، كثيرات يعملن على الحصول على ابن من أحشائهنّ، لأن وجود ابن في حياة أيّ امرأة، هو يعطي للحياة معنى وقيمة، ويجعل التضحية في مقام المتعة للبذل والفداء..

لأنّ الأمّ هي أقدس المهمات، هي تحمل حياة في بطنها، وبعد الولادة ستضيف إلى الحياة مددا لا ينقطع سوى بانقطاع النظام البيولوجي، وهذا يعني: نهاية الحياة.

كثير من الأشعار كُتبت لتبجيل الأمّ، كثير من الكتب نثرت من أجل دراسة معاني الأمومة، لكن الشعور باتجاه الأم بقي واحدا في كافة ثقافات الأرض وديانات السماء، لقد كانت ولا تزال الأمّ منبع الحنان وفيض البقاء.

إهانة الابن أمام أمّه تعتبر جريمة لا غفران لها، وإهانة الأم (мама) أمام ناظري ابنها يعتبر خطيئة لا يكفّر عنها كلّ قربان الأساطير واقعا، لذا من الأمّ تولد الحياة وتتجدد، والمحروم من عطف الأمّ سيكون محروما من أناقة الوجود وحمايته.

إنّ العودة إلى الحياة لا تكون سوى من بوابة الأمّ، وإن البقاء ضمن دائرة الحياة لن يكون سوى عبر تواجد أسباب كلها تنتهي وتبدأ من الأمّ ذاتها؛ كم هو جميل منظر أميرة انجلترا وهي تحمل أبناءها بين أحضانها، وكم هو مبجّل منظر الأمّ “الأميرة” وهي تحرص على صغارها من حولها، إذ من دون أن تدري، فهذه الأميرة تقدّم نموذج “الذئبة” التي سلف الحديث عنه سابقا، وهي الغريزة التي تجعل للوجود معنى.

عندما تجد على إحدى صفحات جريدة شهيرة مثل “كونيكل هيوستن” خبر أمّ قد رمت رضيعها في سلة المهملات مع فضلات الأحياء، هذا يوقع في الذهن سؤالا يقول: هل هذه أمّ بالفعل؟ وما الذي يجعل الأمّ تتحوّل من ينبوع للحنان إلى منطقة جافة قاسية، الصخر أفضل منها بكثير؟

في المجتمع المغاربي نجد ظاهرة مشابهة، وبما أنّ العرف والعادات لا تسمح برمي الرضّع، فإننا نشهد ظاهرة التبرّع بهم، فترى الأمّ تلد مولودها وتتبرّع به لعمّه أو لخالته المحرومين من الذرية! هذا يجعل الإنسان يتساءل عن نوعية قلوب هؤلاء النسوة، وهل هنّ أفضل من الذئاب في حالات كهذه؟؟

اعتبروا من الذئاب فهم أحيانا أشرف من البشر، وبعض الوحوش من الحيوانات هم أرحم من بعض أبناء “الإنسانية” وقصة مؤسسي روما التي حملت أسماءهم هي أوضح الأدلة على ما أقول.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version