“إن النساء مخلوقات ضعيفات خلقن بنصف عقل”.. وقبل هذا وذاك “لقد خلقت أمنا حواء من ضلع آدم”.. إلى غير ذلك من تلك الجمل الكلاسيكية التي لم يعد لها وقع عظيم على مسامعنا، نحن معشر النساء، فمنذ الأزل وقع على عاتقنا النضال..
ولما كانت الآية القرآنية الكريمة تحمل في جعبتها الهدف السامي لوجود الخليقة على حد سواء، قال الله في كتابه الكريم: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}.. صدق عزوجل، ومهما اختلفت الكتب السماوية هناك رابط يسمو بنا جميعا إلى لب الحقائق “توحيد الألوهية”، ومهما اختلفت الطرق للوصول إلى الله أرى أن المرأة يقع على عاتقها عبادة أخرى وعمل آخر، وهو الدفاع عن ما كرمها به الله عزوجل..
إن المرأة فالعصور الجاهلية كما نعلم جميعاً كانت ليست سوى متاع للرجل مثل بهيمته وماله، يحق له التصرف بها كما يشاء لا رغبة لها ولا صوت مسموع، ولما كانت مخلوق ذو عاطفة كانت عاطفتها لا وجود لها، حيث ظلت المرأة عبئاً يثقل كاهل الرجل، فكان الأب يقوم بوأد ابنته حية وترفع الرايات الحمر على بيوت نساء قوم قريش في وقت حيضهن إعلاناً بعدم الاقتراب لأنهن منجسات، وهذا لا يقتصر فقط على حضارة الشرق الأوسط فهناك أيضا العديد من الحضارات فكانت:
– عند الإغريق وهم في أوج حضارتهم يعدون المرأة مخلوقاً وسطاً بين الرجل والحيوان، بل واستمرت هذه النظرة في أوربا إلى عقود قريبة.
– وأما عند فلاسفة اليونان فكانوا يعتبرون المرأة حية “أفعى” تحولت إلى امرأة، وكانت المرأة في أثينا تعتبر من سقط المتاع فتباع وتشترى، وتعد رجساً من عمل الشيطان، لا من خلق الله.
– وفي الإمبراطورية الرومانية: فهي رقيقة لزوجها.
– وفي الهند: المرأة في بعض الديانات الهندية لا تعتبر كياناً مستقلاً، بل هي مخلوق تابع للرجل، إن عاش عاشت معه، وإن مات دفنت معه حية، أما شرائعهم القديمة فقضت أن الوباء والجحيم والسم والأفاعي والنار خير من المرأة.
– أما اليهود: فقد جاء في سفر اللاويين في العهد القديم؛ {فإذا حاضت المرأة فسبعة أيام تكون في طمثها، وكل من يلمسها يكون نجساً إلى المساء، كل ما تنام عليه في أثناء حيضها أو تجلس عليه يكون نجساً، وكل من يلمس فراشها يغسل ثيابه ويستحم بماء ويكون نجساً إلى المساء، وكل من يلمس شيئاً كان موجوداً على الفراش أو على المتاع الذي تجلس عليه يكون نجساً إلى المساء، وإن عاشرها رجل وأصابه شيء من طمثها يكون نجساً سبعة أيام، وكل فراش ينام عليه يصبح نجساً}.
إلى أن جاء الإسلام ليرقى بهن من الحضيض الذي توغلن فيه، فألبسهن رداء النور ليضيء مكانتهن ويعظم من شأنهن فكرمهن الله عزوجل برفعة شأنها كابنة أولاً، بقوله صلى الله عليه وسلم: «من كان له ابنتان فأحسن إليهما كن له سترا من النار»..
كما كفل لها حق اختيار الزوج؛ «لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن»..
وكأم حيث رفع منزلتها أمام منزلة الأب وأوجب طاعتها وبرها ثلاث، كما لها الحق في أن تورَث وتورِث وأيضا ساوى بينها وبين الرجل في أصل الجزاء والتكليف، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.
ورغم ذلك لا تزال المرأة وخصوصا المرأة العربية ليومنا هذا قابعة في وحل العادات والتقاليد التي لا تمت للإسلام بأدنى صلة، أردت قبل أن أردف قولي كامرأة بهذا الشأن أن أستشهد بالأدلة التي لا تخفى على عقل عاقل..
إن المرأة اليوم تتدلى بين التطور والتحضر والنضوج الفكري والثقافي والعالم الواحد وبين صراعها مع مسألة العادات والتقاليد، فمنذ طفولتها تنشأ على كونها نموذج آخر لأمها وجدتها فتتعلم الطهي كوالدتها والحياكة كجدتها، وتتدرب على كيفية مداراة زوجها، والاعتناء بمنزلها من خلال خدمتها لأخوانها والحرص على راحتهم والسمع والطاعة..
أما عن مظاهر التحضر ومواكبة العصر ليست سوى شعارات تغنى وتنفذ بطريقة أو بأخرى لم تولد لنا سوى الازداوجية فالقيم والمبادئ ومن الأمثلة التي لا تخفى عليكم جميعا:
ذاك الرجل الذي يتناول العقاقير والمخدرات ويتهم امرأة صادفها تقوم بذات الفعل أنها عاهرة رخيصة، ليست مريضة مثله ولا مبتلية..، وآخر أخبرها عن ماضيه وجولاته ونزواته بين الأفئدة وعندما بادلته الجرأة والصراحة رحل ولم يعد، ووالدة أرهقها ولدها بتهوره وطيشه أرادت كبح جماحه فألصقته بفتاة، أما عن ابنتها فحرصت على اختيار خير الشباب خلقا وخلقة..
إن المرأة ليست محرمة الرجل يمحو فيها وبها سوء أفعاله، هي ليست نصفك الأبيض والنظيف، ليست جزء منك، هي كائن حر له نصفاه مكتمل الخلقة، وله كما عليه، وتشاركك لقب إنسان كما أنها خلقت من ضلع آدم لا من قدمه لتكون أقل منه ولا من ظهره لتكون خلفه.