التفكير بما هو نسيج متكامل ومترابط من الموضوعية، العقلنة والمعقول، تختلف درجته من قضية إلى أخرى. لعل هذا التباين يعود بأساس إلى مدى عمق المواضيع المراد التطرق إليها والتعمق فيها. إذ ان هناك قضايا ذات صبغة حساسة والتي تتعلق أساسا بماهو نفسي، شخصي ووجداني.
فهي بذلك تمثل مجالا يجذر دلالات الخوف، الشك والخشية، مما يعزب عن الذات الخوض فيها. فلكان الذات تجد نفسها غير مؤهلة لخوض غمار هذه الملحمة النفسية أو لعلها ترفض المجازفة براحتها النفسية وسعادتها أمام التفكير في قناعاتها الشخصية. وأخيرا تجد نفسها ملزمة بتأجيل تلك المواضيع، تفاديا للكشف عن حقائق “غير مرغوب فيها”، نظرا لما يمكن أن تحدثه من تغيرات هامة وجذرية.
وضمن هذا الإقرار، تجدر الإشارة إلى أن اختلاف درجة التفكير من موضوع إلى آخر يكون نتيجة الخشية من أن تكون الحقائق والقناعات السابقة مجرد مغالطات، أحكام مسبقة خاطئة أو دغمائيات.
غير أن ضريبة التفكير تنفى جل هذه الفرضيات، حيث يتعارض التفكير مع مظاهر الجمود والقنوط الفكري، الأمر الذي يجعل من الذات أداة لا تتوقف عن التفكير. لتجد نفسها مجبرة على خوض تجربة نفسية جد صعبة. وذلك نظرا لدرجة الوعى التي اكتسبتها الذات، نتيجة لإعمالها للفكر و سعيها الدائم في مجال البحث، التقصي و الإبداع. فإن كل محاولة للتجنب التفكير أو اعتماد أسلوب اختياري في المواضيع والقضايا بغية دراستها وتحليلها، تتناف مع مقومات الفكر الموضوعي والعقلاني.
وبالتالي، نتيجة لانتهاجها منهج النسيج الفكري الموضوعي، يمكن لذات ان تتوصل لنتيجتين، إما أن تؤيد وتثبت مختلف الانتقادات أو أنها تنفيها وتؤكد بذلك قناعاتها السابقة.
وعليه، فإنه في كلتا الحالتين الحقيقية ستتبلور، الأمر الذي من شأنه أن يحقق عنصر السعادة بماهو حالة من الراحة النفسية التي تناشدها وتبتغيها كل ذات، الخوف عايشت، الضياع كابدت، الشك راودت.