دوسن إسماعيل.. هكذا تكون نهاية الأبطال

من السهل جدا أن تمر بالكثير من الإمتحانات في حياتك وتنجو منها، تترك بداخلك الكثير من الخدوش والندبات، كأوسمة مرور بحرب انتهت الجولة الأخيرة فيها لصالحك، تحكي القصة بكل فخر، بعد أن حسمتها وفزت، لكن من سيحكي عنك بعد مماتك، ومن سيروي للأجيال القادمة تلك اللحظات العصيبة التي أودت بحياتك، حين يكفن البطل الوحيد للرواية، تتعدد القصص، وتكثر الأقاويل، ويبقى عطره يعيد للأذهان طريق مرور الشجعان.

الطائرة ستسقط ونحن الآن نحاول تفادي المجمعات السكنية والطريق السيار، هذا ما تداوله النشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كآخر اتصال بين قائد الطائرة الشهيد دوسن إسماعيل، ومركز المراقبة، لا ندري ما صحة هذه الرسالة، لكنها الأقرب لقلوبنا المفجوعة، وعقولنا الرافضة إلى حد هذه الساعة تصديق الفاجعة التي ألمت بالجزائر من شرقها إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها.

قد تسمع في حياتك عن تضحية الآباء والأمهات، ومن يحملون نفس اللقب والدم، نادرا ما تصادفك تضحية من أجل الوطن، والعلم، فالبلد الذي أنجب العربي بن مهيدي ما زال ينجب رجالا يعاهدون الله دوما بحماية نسائه ورجاله، وترابه، يدفعون بأنفسهم قربانا لننعم بالسلام والأمان، يواجهون الموت خالعين سترة الخوف والذعر، متسلحين بحب الشهادة، والدفاع عن الوطن.

الثبات للنهايات، للذي يواجه الموت برزانة الواثق، واضعا القلق تحت قدمه، يفكر بعقله، مستشعرا كل الاحتمالات، متفاديا أبشعها، يعلم بلحظاته الأخيرة، مقرا بالموت بعد دقائق، متناسيا عائلته وأطفاله، مفكرا في لوعة الآخرين، هذا ما فعله قائد الطائرة، غير مسارها وراح للموت يمشي بخطى المنتصرين، والفائزين.

أن تصبح بطلا بعد موتك، أفضل بكثير من قصص الأبطال التي سترويها في حياتك، أن تفجع كل القلوب عليك، أن تصبح ابنا، وصديقا للجميع، المثال الذي يحتذى به، أن يعرفك الصغير والكبير، ويبحث عنك من يسكن في الوطن، ومن يتابع الوجع من بعيد، تتصدر القنوات، وتتربع فوق عرش كل الصفحات، أن تزف عريسا في وطن تعود على أفراح الشهداء المسافرين إلى السماء.

بطل عاش بصمت، بعيدا عن ضجيج الصورة والصوت، في الخفاء تعلم حب الوطن، وتجرع التضحية حليبا في الصغر، قاده القدر أن يكون شهيدا، وزعيما، ورجلا، وقائدا نودع بقلوبنا، ودموعنا، نلوح لجثمانه الطاهر، ولرائحة العطر التي فاحت في السماء، بزغاريد النسوة بعد رحيل الكبار، لم يكن ابن أسرة واحدة بل هو ابن كل من يسكن هذا الألم، فجعنا موته مثلما فجعنا رحيل كل من جمعتهم الطائرة العسكرية، كان بإمكانه الخلاص والارتباك، كان بوسع الحصيلة أن تكون كارثة إنسانية، لكنه تحمل أوزار اللحظات الأخيرة لوحده وغادر بأقل الأضرار.

شكرا لرحم التي سكنتها طيلة 9 أشهر، شكرا لليد التي علمتك الوقوف بعد السقوط، شكرا للحضن الذي سكنته خائفا، وعد منه قويا، شكرا للأبوة التي جعلتك تضحي بحياتك، رحمك الله أيها الشهيد الفذ.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.

Exit mobile version