يقول سيد قطب؛ “الإسلام دين واقعي، يُدرك أن النّواهي والتوجيهات وحدها لا تكفي، ويُدرك أن الدّين لا يقوم بدون دولة وبدون سلطة. وأن الدّين هو المنهج أو النّظام الذي تقوم عليه حياة الناس العملية، وليس مجرّد مشاعر وجدانية تعيشُ في الضّمير بلا سلطة وبلا تشريع وبلا منهج محدد ودستور معلوم.”
إن سيد قطب غني عن التعريف، بكونه الاسم الذي اقترن مع كتابه الشهير “معالم في الطريق”، ناهيك بمواقفه التي كانت واضحة ضد حكم “جمال عبد الناصر”.
مر “سيد قطب” بمراحل عديدة في حياته منذ الطفولة، فالمرحلة الأدبية البحتة كان فيها متأثرا بـ”عباس العقاد”، ثم المرحلة الفكرية وصولا إلى توجهه إلى الأدب الإسلامي ومن ثم إلى المجال السياسي حتى صار رائد الفكر الحركي الإسلامي أو ما يعرف “بالقطبية”. وهذه المرحلة هي التي يعرفهُ الناس بها حتى اليوم.
لقد نظّر سيد قطب إلى قيام دولة اسلامية قلبا وقالبا وهذا من خلال ما كتبه في فترة سجنه “كتاب معالم في الطريق”، الذي أحدث ضجة كبيرة في مصر وخارجها، وقد اختصرت أهم نقاط الكتاب حول إفلاس البشرية (النظرية الديمقراطية والنظرية الإشتراكية وكذلك النظرية القومية والوطنية) في عالم القيم. وبالتالي لابدّ من قيادة للبشرية التي تملك القيم وتملك إبقاء وتنمية الحضارة المادية التي وصلت إليها البشرية والإسلام الذي يملك تلك القيم وهذا المنهج. كذلك من أهم النقاط التي ذكرها هو أنه لابدّ من إعادة بعث إسلامي لكي تؤدي دورها المرتقب في قيادة البشرية مرة أخرى.
لقد حمل كتاب “معالم في الطريق” نقاط مهمة حول بناء دولة إسلامية لا علمانية، لذلك تم مهاجمة “سيد قطب”. يقول الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية “ممدوح الشيخ”، إن الكتاب حظي بكثير من الاحتفاء والإدانة ممن تحمسوا له أو وقفوا منه موقف معاديا. الأمر الذي ندر حدوثه في تاريخ مصر.
ووفقًا له فقد حمل كتاب “معالم في الطريق” على صعيد الرؤية الإسلامية ويعدّ أحد الكتاب الأكثر تأثيرا في الثقافة العربية، بل حتى في نظر خصومه. فإن الكاتب سيد قطب هو أحد صناع تاريخ مصر.
وقد عقب على هذا “طارق الزمر” القيادي السابق في الجماعة الإسلامية بأنه يرى أن “سيد قطب” طرح في كتابه رؤية سياسية اجتماعية، اقتصادية متكاملة لاتزال تكتسي صدقيتها حتى اليوم.
أما “حسام عقل” أستاذ النقد والأدب في جامعة “عين شمس”، فيرى أنه تحت سلطة تريد أن تستأصل وتجتث، فمن الطبيعي ولادة فكر مضاد، الأمر الذي أيده فيه “ممدوح الشيخ” قائلا “إن السلطة في تلك الفترة تتحمل قدرا من المسؤولية عن ظهور سيد قطب وأفكاره”.
إن كتاب “معالم في الطريق” طُرح فيه آراء مختلفة أهمها مفهوم الجاهلية التي تفشت. هذا ما حذى بسيد قطب أن يردد في كتابه “ما هذه الجاهلية التي يعيشها العالم اليوم؟ والتي رأى حسام عقل أنها طرح مخيف.
يقول سيّد قطب في كتاب معالم في الطريق، “نحن اليوم نعيش في الجاهلية، كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية، تصّورات النّاس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم.”
هذا في رأي “ممدوح الشيخ” أنتج عن سيد قطب فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان على النحو الذي تبنّته الجماعات الإسلامية في ما بعد، في صراعها العسكري مع الغرب ومع الحكومات.
لكن الدّاعية الإسلامي والباحث “عصام تليمة” يرى أنه لا يوجد حرف واحد في كل كُتب سيد قطب يدعو إلى إراقة دم أي إنسان ولا حتى إراقة دم “جمال عبد الناصر” و “مجلس قيادة الثورة في مصر”.
إننا أمام كتاب مفهومه واضح، وسيد قطب منهجه واضح وهو بناء دولة إسلامية ورفض الدولة العلمانية، لأن الدين الإسلامي وحضارتنا الإسلامية كفيلة بأن نكون عالم متقدم بثقافته وقيمنا الإسلامية التي فُطرنا عليها.
قبل إعدامه من قبل عبد الناصر الذي تحوّل من إعدام إلى حفل تكريمي، والذي أقامه ضُباط ثورة 23 يوليو 1952 (التي أسقطت الحكم الملكي في مصر) لسيد قطب بحضور عبد الناصر وجمهور واسع من الضباط والدبلوماسيين والأدباء والمهتمين في منطقة الزمالك، يقول سيد قطب، “إن الثورة قد بدأت حقا وليس لنا أن نُثني عليها، لأنها لم تعمل بعد شَيئًا يذكر، فخروج الملك ليس غاية الثورة، بل الغاية منها العودة بالبلاد إلى الإسلام.” ثم تابع قطب، “لقد كنت في عهد الملكية مهيئا نفسي للسجن في كل لحظة، وما آمن على نفسي في هذا العهد أيضا ولغير السجن أكثر من ذي قبل.”
إن سيد قطب كان جاهزا للسجن في كل لحظة من أجل بناء الدولة الإسلامية التي كانت وتبقى الحل الوحيد للنهوض بعالمنا العربي. لذلك قال “طه حسين” الذي كان مسؤولا عن سيد قطب في وزارة المعارف “إن سيد قطب انتهى في الأدب إلى القمة والقيادة وكذلك في خدمة مصر والعروبة الإسلامية.”
لقد كثرت على سيد قطب الألسن فقد صُنّفت أفكاره ضمن الأفكار السّوداء وشنّت عليه حملات تحريض وحصرت صورته بشكل مزوّر في شخصية تكفيرية متطرّفة منغلقة. لقد كان سيد قطب من أبرز المفكّرين الذين قدموا الإسلام بشموله وحيويته وصلاحيته لكل زمان ومكان، وقدرته على الحكم وعلاج مشاكل الحضارة وتحقيق التوازن بين متطلبات الرّوح والمادة.
وكان من أبرز الكتاب الذين نقدوا الحضارة الغربية التي تدّعي الديمقراطية وكشف اللّثام عن الرّأسمالية. لقد ركّز قطب على مبدأ الحاكمية وردُ التشريع إلى اللّه والحكم بما أنزل الله. ثم دعى إلى التّركيز على المعاني الإسلامية التربوية والحركية.
لقد دفع سيد قطب حياته من أجل النّضال وراء فكرة حقيقية ملموسة وإيمانه الشديد بقيمة الدين الإسلامي ورفضه الشديد للدولة العلمانية بكونها مشروع غربي. فقد نقد سيد قطب الحضارة الغربية وفضح الاستعمار الغربي وأطماعه في المنطقة، ولعل مقاله الشهير “إسلام أمريكي” الذي نشر في مجلة “الرسالة” سنة 1952 يفضح سياسة أمريكا وعملاءها في المنطقة (سواء عرب أو أمريكان).
لقد عانى قطب من اتهامه بأنه يُكفِّر المُجتمعات المسلمة، واستخدم مُتّهمُوه وخصوصا من باحثيين وكتاب علمانيين ويساريين ومن خصوم للتيار الإسلامي في نصوصا مجتزأة لإثبات ذلك.
هنا نتساءل لماذا رفض سيد قطب رفضا قاطعا والتيار الإسلامي قيام دولة علمانية؟
حينما يكون هناك تباين حضاري واسع بين حضارات متجاورة، متحاورة كانت أم متصارعة فإن هناك سلطة تفرضها الحضارة القوية على الأخرى الضعيفة مما يجعل العلاقة على مختلف مستوياتها رهن توازنات القوى وألعاب السلطة التي تفرضها حيثيات التباين.
وإن قطب كان له الدور البارز والأساسي في فرض الحضارة الإسلامية ليعود لها بريقها وتنافس الحضارة الدّخيلة (العلمانية).
لقد برزت الأفكار الديمقراطية والإشتراكية ولكن يمكن وضع جميع المصطلحات والأفكار في خانة ومصطلح العلمانية في خانة أخرى لعدّة أسباب من أبرزها المصطلح الديني خاصة مع طبيعة الحضارة الإسلامية القائمة على الدّين والمتميّزة به طبعا. والتي أثارت مشاكل جمّة في حركة الترجمة الأولى حينما كانت في موقف قوّة، فكيف ونحن بموقف الضعف.
وُجدت العلمانية لتفصل الدين عن الدولة وتحارب كل ما هو دين إسلامي في العالم العربي. يقول الكاتب “محمد عابد الجابري” في هذا السياق، “إن مسألة العلمانية في العالم العربي هي مسألة مزيفة غير منسجمة مع الواقع الإسلامي. فكأنّما العلمانيين استوردوا المشكلة والحل.”
إذا ليس من الشك بأن الحضارة الغربية كانت التحدي الأكبر الذي واجه الأمة منذ مطلع القرن التاسع عشر، وقد استطاع الغرب أن يحقق بعض الانتصارات العسكرية والسياسية على الأمة وأبرزها سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة قومية. إلا أن سيد قطب عارض هذا المفهوم مع شقيقه محمد قطب والتيار الإسلامي.
لذلك رد محمد قطب على أبرز النظريات التي قامت عليها الحضارة الغربية العلمانية، مثل نظريات دارويين في النشوء والارتقاء وماركس في تطور وسائل الإنتاج وأثرها في تطور الحياة البشرية وفرويد في الجنس وأثره على سلوك الفرد. وهذا من أجل الحفاظ على قيمة وأفكار الدين الإسلامي.
ومن ناحية ثانية عبّر سيد قطب عن روح ثورية إسلامية ووطنية هائلة كانت حافزا لأبناء جيله ولمن بعده في مواجهة الساسة والمثقفين العلمانيين والعلماء الفاسدين والأنظمة الفاسدة. وأبرز الإسلام بروحه الحركية العملية التي ترفض الظلم وتنتصر للمظلوم وتنتزع الشرعية عن الطغاة. بل تأكد أن الشرعية فقط لله.
لقد كان سيد قطب من أبرز المفكّرين الذين قدموا الإسلام بشموله وحيويته وصلاحيته لكل زمان ومكان ورفض المفاهيم والثقافات العلمانية التي بثها الغرب ودافعت عنها الطبقة السياسية أمثال جمال عبد الناصر.
إن سيد قطب من أبرز رواد الفكر الإسلامي والإصلاح والتجديد في القرن العشرين والذي دافع عن الإسلام هذا ما كلّفه حياته النضال من أجل دولة إسلامية. وبما أن البعض إن لم تكن الأغلبية انساقت وراء الدولة العلمانية التي ترى فيها الخلاص وهاجمت سيد قطب واعتبرت أفكاره تكفيرية متطرّفة منغلقة. وباتت معظم الشعوب ترى أن الدولة العلمانية هي الحل إذا لماذا هذا القمع الممنهج ضد مسلمي الروهينغا بكونهم مسلمين؟ لماذا لم تنتصر لنا الدولة العلمانية ولم تنصف باقي الدول العربية التي تعاني من الحروب من قبل الغرب العلماني أو من حكام العرب العلمانيين؟.
كاتب التدوينة: مروى عبد الرزاق