في سفح الجبل الغربي لمحافظة سوهاج وتحديدًا بإحدى قرى مركز البلينا وهي قرية بني منصور “المسماة العرابة المدفونة سابقا، “كانت رحلتي لأحد الأديرة القبطية الهامة التي عرفت بالتاريخ وهو دير الأنبا أبي ميساس ويعرف موسيس وكان يرافقني الأستاذ “عصام محمود الحويطي” أحد المهتمين والمحافظين على تاريخ المنطقة وآثارها والمدرس الأول للغة الإنجليزية، وذهبنا معًا في المعاد المحدد من صباح يوم الثلاثاء لنلتقي بالقمص “داود غبريال كامل” كاهن كنيسة ماري مينا بالقرية ذاتها.
وبدأت رحلتنا بالمشي على الأقدام في صحراء القرية نشاهد الطبيعة حتى وصلنا إلى النجع الذي يسكنه الأقباط ويقع به الدير الأثري فالتقينا بالقمص داود ففتح لنا الباب الخارجي للفناء وهو بوابة من الحديد كبيرة، وضعت علي السور الخارجي لفناء الدير والمساحة بينه وبين باب الدير نفسه ليست بالكبيرة، وهي حوالي 15 متر طولاً تقريبًا من البوابة الحديدية إلى باب الدير الذي هو من الخشب، وواجهة الحائط من الخارج عبارة عن بقايا أشكال هندسية من الطوب الملون والحجر الأبيض..
وعندما وصلنا لمدخل الدير خلعنا نعالنا وأول المشاهد التي لفتت انتباهنا عند دخولنا هي: أن الباب الذي ندخل منه حجمه صغير لا يدخله أكثر من فرد وتحتاج إلى الانحناء حتى تدخل، فأبلغنا القمص داود أن لذلك غرض وهو للشعور بالانكسار والتواضع عند دخول بيت من بيوت الله وخاصة أنه سائد في العمارة القديمة للأديرة أن تكون أبوابها بهذا الحجم لهذا الغرض.
وعندما دخلنا الدير وجدنا أن سقفه عبارة عن قباب عتيقة كثيرة متناسقة متلاصقة عددهم 24 قبة، في كل قبة فتحة قطرها حوالي 25 سم يدخل منها النور والهواء للدير وتنزل من القبة أعمدة عظيمة دائرية، ومقسم صحن الدير لثلاث صفوف بالطول فالأول منها الخلفي وهو تجلس به النساء حتى لا تختلط بالرجال، والأوسط هو للرجال والثالث به سبعة هياكل في صف واحد يقدم فيه القرابين والثلاث هياكل الأولى منهم هي أجزاء الكنيسة القديمة قبل إضافة باقي الهياكل لها..
وقد زين الدير من الداخل في كثير من أنحائه بالخشب العتيق المطعم بالعاج، ورغم فن العمارة الجميل لهذا الدير العتيق التاريخي إلا أنه أهمل بالترميمات التي لم تراعى أن ذلك أثر تاريخي قديم وتم التعامل مع هذا الدير كأنه جدران حديثة تدهن وتطلي بالدهانات التى لا تناسب عراقته.
وعندما خرجنا لننهي رحلتنا داخل الدير توقفنا أمامه؛ إذ بنا أمام بئر مياه عتيق عمقه أكثر من 20 مترًا، فسألت القمص داود عن تاريخه قال إنه تاريخ حفر البئر من القدم وأنه من أقدم الآبار في القرية وكان أهل القرية على مر العصور يستخدمونه، والآن تم تغطيته بألواح من الخشب لعدم استعماله مع الحداثة وتوفر المياه بالمنازل.
ويعد هذا الدير من الأديرة التاريخية القديمة والتي بنيت في مطلع القرن السادس الميلادي حسب ما ذكر القمص داود لنا، وهو أحد معالم الصعيد كما أنه أحد أسباب شهرة مركز البلينا وحسب ما ذكر “المقريزي” أن: دير أبي ميساس ويقال أبوميسيس واسمه “موسى” وهذا الدير تحت البلينا وهو دير كبير وأبو ميسيس هذا كان راهبًا من أهل البلينا وله عندهم شهره.
ويعرف الآن الدير بدير “الشهيدة دميانة والقديس أبو مسيس”، وطبقًا لما رواه القمص داود أن إضافة اسم الشهيدة دميانة كان لشهرتها الواسعة وحتى يحظى المكان بالشهرة والمكانة حيث أن القديس أبو مسيس شهرته محليه..
وحسب ما ذكر المؤرخ “جيمس بيكي” أن هذا الدير بنى داخل قلعة من قلاع المصريين القدماء من الأسرة الأولى أو الثانية، ولا يعرف ما السبب من وراء هذا البناء وهو عبارة عن بناء مستطيل ضخم من الطوب اللبن وكانت بالأصل جدرانه ملونة باللون الأبيض، ويوجد بالقرب منه قلعة بنفس الشكل يشار إليها في المصطلحات الأثرية بـ “شونة الزبيب” وهو غير مستخدم لأي غرض وحالة البناء تكاد تكون أفضل كثير من البناء الذي بني الدير بداخله حيث يتبقى بعض أطلال من جدرانه بأماكن متقطعة، نظرًا للإهمال الذي مر به ولاستخدام الأهالي بعض الطوب لبناء منازلهم قديمًا، وقد توقفنا أمام بقايا هذه القلعة وشاهدت الطوب وضخامته التي تفسر تماسك هذه الجدران على مر هذا الزمن.
.