لا تلوموني في حُب القاهرة وشوارعها التي لا تنام “نشيطة مليئة بالحياة”، ورائحة التوابل المُنبعثة من عربات الأكل “كبدة، كفتة، وكلّ ما لذ وطاب من الفول والفلافل…”
لا تلوموني بعشق زحمتها ليلاً ونهاراً ومحلاتها المزيَّنة بالفوانِيس، متاحفِها وأسواقِها الفرعُونية الحُلَّة، اندهشت ببلد الحضارة وعشقت فوُلِدت من جديد، قولوا لي كيْف رحبُّوا بي:”أقول جزائرية فأرى عيون المصري تلمع قائلاً بلد المليون شهيد _أجدع ناس والله_”، بهذه العبارة التي ترددت على مسامعي مراتٍ كثيرة، يعرفون بعضاً من مُدن الجزائر يسألونك قائلين:”من أيْن أنت من وهران، العاصمة، أم قسطنطينة”، صعب نطق قسنطينة مدينتي العتيقة المبنية على الصخر لكنّها كالعسل باللهجة المصرية”.
سأرجعُ إن شاء الله إلى القاهرة وأستنشق ذاك الهواء المُفعم بالحب والثقافة، والأرصفة المُحمَّلة بكلّ أنواع الكتب شاهدٌ ودليل…
إن قالوا لي صفِـــــــــــــــــ حُبّكِ المُفعمِ***قلتُ لهُم في حضنكِ سأرتمِي
لحنينِ قُبلتكِ الدافئة أنتمِي***يا قاهرة سكَنتنِـــــــــــــــــ عِشقاً لا ينجلِي
ولمن يُريد الذهاب إلى أماكنَ مُختلفة على قدميه يختار الإقامة بأحد الفنادق الموجودة بشارع “طلعت حرب”، لأنّك ستكُون على بضع خطوات من ميدان التحرير، تتجوَّل فيها مشياً على الأقدام كما أنَّ بقُربها مختلف المواصلات… كلّ شوارعها مُزدحمة بالمكتبات والكتب المصفُوفة على الأرصِفة، وبالمحلات لمُحبيّ التسوُّق وكذا لعُشّاق النكهات وتذوُّق مختلف الأطعمة “وما أطيب الفِراخ وكشري التحرير، وحلويات العبد …” تلتفت لتجد شوارع أخرى منها: عبد الخالق ثروت وباب اللوق.
ولمن يُحب اقتناء أشياء للذكرى يزُور سوق خان الخليلي يحوي كلّ جميلٍ يسحر العين وأجواء البيع فيه لا تُنسى صوْتٌ هنا مرحٌ هناك، رائحة الشاي والبخور وزحمة العربات المُحملة بالألبِسة ومختلف الحاجيات، وكذا المُجوهرات التي ترى فيها نقُوشاً ترسُم حضارة مرَّت لكنَّ آثارها تأبى الزوال.
لم أُصدِّق أنّي جلست “بالبلكونة” وشاهدت الطُيور في سماءِ القاهرة، وبالجانِب الآخر بيوتُ أناسٍ يتجولون عل السطوح ويتأملون السماء والأجواء مثلي تماماً، حركة بسيطة في الشارع، ففي النهار النشاط خفيف عكس ما يكُون ليْلاً، الأمر الذي قد يعود إلى درجة الحرارة المُرتفعة جداً في فصل الصيْف، اليمامات يُصدرنَّ أصواتاً جميلة تعوَّدت سماعها صباحاً ومساءً، رائحة المكان استنشقتُها، باتت بداخلي “اجتاحتني القاهرة حُباً”.
وحين اقترب موعد رجوعي إلى الجزائر بعثتُ من على تلك “البلكونة” سلاماً لكلّ مكان لم أزره عسى أرجعُ يوْماً وأتجوَّل بأنحاءٍ أُخرى، وها قد رجعت وخالجنِ الاشتياق لكلِّ التفاصيل التي عشتها هُناك، أعترف أنّي وقعت في حبها، تك المدينة الساحرة بأهلها وأرضِها، سمائها وطيورها… بكُلِّها.
أُناسها متواضعون وُجوههم مُبتسمة، وكلماتُهم جِداً حُلوة، إن دخلت لمحلٍ ما تناثرت عليْك الكلمات الجميلة: “أهلا بأخواتنا من الجزائر أُطلبن عيوننا، تِكرمن يا سِتات، تفضلن اخترن وكل المحل تحت أمركن”، والحقيقة أن مختلف السِلع لا تُقاوم خاصة تلك اللمسة الفرعونية بالملابس والأحذية، دون أن أنسى المحلات التي تبيع المنحوتات سواء التي تكون على الخشب أو الحجر والأمر المُبهج أن تسمع الكلام الطيِّب وأن تعيش الأمان والفرحة خارج حُدود وطنِك.