حكايتي مع التصوف حكاية عاشقة الكتب والبحث عن الزهد في الحياة..
يمثل لي التصوف بأبسط الأمثلة؛ أن تعم الفرحة في القلب عندما يأتي الكرب، فلا يعني مثلا الصبر أن تتحمل المصاعب سلبا، بل يعني أن تكون بعيد النظر بحيث تثق بأن الأفضل قادم..
أنا جد ممتنة لقدوتي الأولى الذي من خلاله عرفت معنى التصوف أو بالأحرى تشبعت بفكرة الكبير جلال الدين الرومي..
أحببت الله فيه، في تبسيط معاني القرآن الكريم لي، أيقنت أن عرش الله عز وجل موجود في قلب عاشق حقيقي، فلم يعش أحد بعد رؤيته، ولم يمت أحد بعد رؤيته، فمن يجده يبقى معه للأبد..
هكذا أحببت الله في كل شيءـ ولهذا أن أنتمي إلى التصوف الذي أضاف لي الكثير..
أزكي نفسي عندما أضع بين أناملي موسوعة الأربعين في أصول الدين للغزالي، وتارة أخرى أنحني أمام بلاغة روضة الطالبين وعمدة السالكين، لأجد نفسي وسط قواعد العشق الأربعون..
لا أمثل نوع من الانغلاق أو التطبع، لكن هذا موطني حين أخرج للعالم لأواجه الناس.. أواجههم بنوع من الرقي مهما كانت بلاغتهم دائما أتطبع ببلاغة التصوف..
أزكي نفسي حين أسامح، حين أحب وحين أتصدق وحين أخال نفسي.. أكظم غيظي حين يعتريني شعور الامتلاء.. امتلاء بمطبات الحياة!..
لا أتطلع إلى أي شيء في هذه الحياة سوى الزهد في حبه جَلَّ عُلاه، أنطق بالعلم اليقين والقدرة، لا علم الرأي والهوى، أصمت عند المصائب وأنتفع بما يرقى بي إلى مرحلة النبل في المعاملة..
أطلبه كل يوم على أن يمنحني القناعة التامة، لأكمل مسيرتي خالية من أي نقطة سوداء في قلبي.. مزينة بفنون العلم، متوحشة بجلاليب التقوى، ومنورة بخالص اليقين والموفقة فيه للبيان والصواب..
أخذت التصوف من أبي، الذي قال لي ذات يوم؛ خذي من علمه وأدبه، ودعي عنك تشقيق كلام الناس والرد على المتكلمين منهم..
أسمعه دائما يقول لي: “جعلك الله صاحبة حديث صوفيا عميقا لا يفهمه إلا من زكى نفسه”.. رحمه الله عليك أبي القدير..
مقال رائع وأسلوب راقي من الكاتبة. الأسلوب يعطي للموضوع تشويق يدعوك للتفكير والبحث فيه.