ستتقبل نقصك، ستتعوده ستتعايش معه، ستحبه بعد حين وستحضنه كما احتضنت مريم ويلتها، تحمله بين يديك كأنه أمرًا هينًا، تستأذنه لتضعه حين يتقوس ظهرك منه ويقبل، تسخر منه كسارة حتى يأتيك حلمك وقد بلغ منك اليأس مبلغه، سوف يرى هذا المخ الحقيقة كاملة، وسيعرف كمائن الأمور.
سعيك للكمال لن ينتهي ببلوغك ولن ينتهي أبدًا ولن تصل، يا صديقي أنت ترهق نفسك في اكتشاف حقائق الحياة الأولى، الكمال ليس لك! أنت تُحمل نفسك ما لا طاقة لك به فتسمر مكانك في انتظار ما لن يأتي، تريد أن تغير مسار العالم وتريد أن تضيء مصباح فكرة مجنونة تمس حياة كل فرد في الكرة الأرضية، بداخلك طاقة تريد أن تفجرها في عمل تفتخر بنسبِه إليك، ولكن… ولكنك لا تفعل، ولكنك لا تستطيع، ولكن نقصك يحدث فجوة عميقة في نسيج أحلامك العظيمة تلك، ولكن الأمر يبدو مستحيلًا، ولكن تلك النفس الضيقة تأبى أن تحوي هذة الآفاق الكبيرة المخيفة، ولكن كل شيء يحاربك ولكنك ضعيف ولكن طاقتك محدودة ولكنك ميت!
يا صديقى حقائق الحياة التي لم تكتشفها بعد قد سطرها الأولون كلامًا من ذهب على جدران معابدهم، يا صديقي أنت لا تفهم، أنت قريب جدًا…
أحيانًا نحتاج أن نبتعد قليلًا لنرى الصورة كاملة، اقترابك الشديد يعميك، وجهلك لا يُعينك، وأحلامك الوردية بتغير العالم تُغويك، فتسقط في هوة ضيقك الشديد أمام اتساع الكون، يا صديقى الأمور ليست ما هي عليه، ليس من منظورك الضيق دعني أصغيها بصورة أخرى:
من قال لك أن تغيير العالم مهمتك؟
ومن جعل العالم مكانًا يحتاج التغيير؟
بل الأولى من ذلك تغيير ماذا؟؟
ما الذي لا تتقبله في العالم وماذا يؤذيك في كون العالم على ما هو عليه الآن؟؟
أنا أتفق معك وأعترف بوجود بضع مشاكل تحتاج حلول، ولكن تغيير العالم بطريقتك تعني تغييره كليًا وتحويل نظام الكون بنظام آخر من صنعك، أنت لا تريد تغيير الكون ولا تريد إصلاح أمرًا، الفكرة كما تراها يا صديقي ليست في الكون بل في نفسك، تريد التغيير ولكن لا تريد التغيير من أجل التغيير، تريد التغيير لكي تواجه نفسك تريد التغيير لأجل ذاتك فقط، فَرطُ أنانية ما تريده، تذكرني ببينكي وبراين الشخصيتين الخياليتين اللتين تريدان السيطرة على العالم، ما العيب في كونك طبيعيًا؟ ومن قال أن الاختلاف هو جنة الله في أرضه؟،بل من قال أن العالم يحتاج التغيير؟؟
يا فتى، نيتك معلولة مغلولة إلى أفكار مسمومة صدرها إليك بعض الجاهلين، يا صديقي الخضر غيّر العالم وحده -ولولا دعوة موسى بلقائه لما سمعت أنت ولا سمعت أنا به، يا بني انظر حولك بعين العقل واعرف هدفك واسع إليه بقلب سليم، تريد صنع تغيير غيّر في نفسك تقبل تقصيرك احتوي نقصك غيّر في عائلتك في شارعك، ساعد مسكينًا، أو اجمع قمامة في مبادرة منك لجعل العالم مكانًا أفضل، ولكن لا تنساق وراء أفكار هي ليست لك وتترك لها الروح تتأكل من حولها، لا تدع روحك تنطفىء..
أحلامك التي تريدها هذه فعلها غيرك، خالد سعيد… تعرف الاسم طبعًا هل لك أن تخبرني ما فائدته الآن؟ في حياتك أنت في استيقاظك المبكر للدراسة ومقابلتك أصدقائك ودروسك وأستاذتك ورجوعك للبيت، واستذكار دروسك واللهو مع أخواتك وشبكة التواصل ونومك المتأخر واستيقاظك مجددًا؟؟
الحقيقة أن الشهيد غيّر العالم بالمعنى الحرفي، غيّر مصر فغيّرت هي في العالم الكثير ولكنه غيّره بطريقة قد لا تفيد أحد، أعتقد لو كتب كتابًا يعلمك جملة واحدة لكان خيرًا له من خلوده في كتب التاريخ.
يكفيكَ أن تُصلح إنسانًا واحدًا، وأن تتغلب على نفسك ونقصك وتقصيرك معترفًا بوجوده، متقبلًا فكرة أنك بشر لست قوة خارقة للطبيعة، وأن “كن فيكون” هي صفة إلهية ليست لك ولن تكون، لا أحبطُك ولا أقلل من طموحك ولكني أريك أن هدفك غائم عائم وأنصحك عندما تضع هدفًا ألا تجعله واسعًا بحيث تضيق نفسك به، وأخبرك أن نقصك سيقف في الطريق مرة وإثنين وثلاثة وعليك أن تتقبله وتعمل على الوصول لهدفك العظيم مهما كان وأن سعيك الكمال لن ينتهي ببلوغك يا ولدي فرجاءً تقبل نقصك.