سهيل بن بركة .. كل ما تود أن تعرفه عن رائد الفيلم السياسي في المغرب

سنتطرق في ثنايا هذا المقال إلى تجربة السينمائي المغربي العالمي سهيل بن بركة بشيء من التفصيل، معتمدين أساسا على الكتاب جمالية الفيلم السياسي وهو من تأليف الباحث والروائي والمخرج المغربي فؤاد سويبة.

هذا المرجع يضم في طياته معلومات وتحليلات دقيقة عن مختلف التجارب العالمية في مجال الفيلم السياسي وقد خصص فيه ثلاثة مباحث مطولة  لثلاثة أعمال بارزة لـ سهيل بن بركة ، يتعلق الأمر بـ: ألف يد ويد، حرب البترول لن تقع، أموك، مع إشارات هنا وهناك لبقية الانجازات، التي لا تقل عنها فنية.

سهيل بن بركة .. السيرة الذاتية

يعد سهيل بن بركة من أهم رجال السينما بالمغرب، لدرجة أن البعض، كما أشار إلى ذلك فؤاد سويبة، في مستهل كتابة عن الفيلم السياسي بالعالم، والذي أفرد فيه حيزا مهما للمخرج المغربي الكبير سهيل بن بركة حيث يَعتبرُ أن هناك مرحلة ما قبل وما بعد سهيل في المشهد السينمائي، ليس فقط المغربي وإنما أيضا الإفريقي.

ولد سهيل بن بركة في 25 دجنبر بتنبكتو من عائلة تنحدر من مدينة كلميم.

تابع دراسته الثانوية بمالي، قبل أن ينتقل للديار الإيطالية للحصول على إجازة في علم الاجتماع، ليلتحق بعد ذلك بمعهد السينما.

هناك احتك سهيل بن بركة ببعض المخرجين العالميين أمثال بازوليني، الذي شارك معه في عمله الموسوم بالإنجيل حسب ماثيو.

حسب فؤاد سويبة، بدأ المعلم سهيل، كما يحلو له أن يسميه، مشواره في مجال السينما في وقت كانت الانتاجات المحلية تكاد تنعدم بسبب قلة المكانيات وعدم انخراط الدولة.

أبرز أعمال وأفلام سهيل بن بركة

أول عمل سينمائي له هو “ألف يد ويد“، الذي أنتج عام 1972، أعلن من خلاله المخرج -دائما حسب فواد سويبة- قطيعته مع الطرح التقليدي لمن سبقوه، ليواصل في “حرب البترول لن تقع” بحثه عن أساليب جديدة.

في سنة 1982 شكل صدور فيلم أموك حدثا سينمائيا استثنائيا في قارة كانت تواقة للحرية والانعتاق.

في معرض حديثه عن باكورة أعمال المخرج سهيل بن بركة .. يشير الكاتب إلى أنه يمثل بمعية “وشمة” لحميد بناني و”اسراب” لأحمد بوعناني، نقطة انطلاق لثورة في مجال الفن السابع بالمغرب. لذلك لا غرو أن يلقى عمل كهذا نجاحا باهرا لدى شريحة هامة من المثقفين ويحظى باحتفاء كبير في المهرجانات.

اختار فؤاد سويبة كعنوان لمبحثه عن فيلم “حرب البترول لن تقع” صراع الأيديولوجيات، فقد ظهر هذا العمل لحيز الوجود سنة 1974 في عز الصراع العربي الإسرائيلي، رغم أن صاحبه لم يعد إنتاج مكونات الصراع العسكري لحرب 1973، كما هو شأن معظم الأفلام المصرية في تلك الفترة، مركزا بالأحرى على تداعيات الحصار النفطي للدول الداعمة للكيان الصهيوني.

 فلم “أموك”، ثالث الأفلام التي تناولها الكاتب بالدراسة والتحليل، هو فيلم عن الصراع الاجتماعي، جاء في سياق نظام الأبارتايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا.

يبدو جليا من خلال عرضنا للأعمال الثلاث لـ سهيل بن بركة أن هذا الأخير ظل وفيا لروح الفيلم السياسي من حيث هو انتقاد للأوضاع الاجتماعية والسياسية المزرية، ومن تمة انتقاد نظام حكم بعض الأنظمة وهو ما شكل العمود الفقري لكتاب فؤاد سويبة “جمالية الفلم السياسي”. 

ما يميز هذا العمل الجبار هو أن مؤلفه متخصص في مجال السينما، فقد شغل منصب المدير الأول للدراسات بالمعهد العالي لمهن السمعي بصري والسينما، بالإضافة لاشتغاله في مجال الصحافة ومشاركته في إطلاق مهرجانات سينمائية في بلده المغرب، وإنتاجه لبرامج للتلفزة المغربية ولمحطات أجنبية، هذا علاوة على كونه روائيا ذا قلم سيَّال.

هو دون أدنى شك مرجع أساسي لمن أراد تكوين فكرة عن الفيلم السياسي بالعالم عامة وبالمغرب خاصة.  


4 أسئلة لـ فؤاد سويبة، مؤلف كتاب “جمالية الفلم السياسي”

فؤاد سويبة بمعية المخرج سهيل بن بركة

يذهب البعض إلى أن سهيل بن بركة قد غير مسار السينما بالمغرب. في منظوركم، أين تكمن مساهمة بن بركة في هذا الحقل؟

أولا سهيل جاء محملا بتجربة اكتسبها خلال فترة تواجده بإيطاليا، التي تعتبر مختبرا هاما في هذا المجال.

تعلم السينما بالمدرسة وتسنى له أن يصاحب مخرجين إيطاليين وعالميين أثناء إنتاج أعمالهم.

كما جمعت سهيل بن بركة صداقة بأسماء وازنة كـ بازوليني و دينو دي لورينتي اللذين مهدا له طريق الإبداع.

فطن مبكرا إلى أهمية الاعتماد على سيناريو جيد وتسويق عالمي للحصول على مصادر تمويل كافية.

لذلك تمكن من طرق مواضيع مهمة كالميز العنصري (فلم أموك)، والزواج المختلط إبان فترة الاستعمار (عشاق موكادور)، الصراع من أجل السلطة من خلال قصة الأمير السعدي عبد المالك في فيلم طبول النار. 

تناول سهيل أيضا موضوعا جديدا وهو حصار النفط في فلم حرب البترول لن تقع.

بن بركة مكن الفيلم المغربي من سلك سبل تعبيرية جديدة لم يعهدها المتفرج مع غيره ممن سبقوه.

جلب مستثمرين أجانب وفتح الباب لنجوم السينما العالمية في مدينة ورززات.

لذلك طرق أبواب هوليود بحثا عن منتجين كلما خطرت له فكرة مشروع ما.

كان حاسما في هذا المجال معطيا الفرصة لتقنيين ومشتغلين في ميدان السينما السينمائي المغربي.

كيف تصف لنا سهيل بن بركة باختصار؟

هو فنان انتبه إلى أهمية أن تحظى البلد بسينما ذات قيمة عالمية وهو مشروع لطالما دافع عنه بالغالي والنفيس إلى يومنا هذا.

سهيل بن بركة أخرج مجموعة من الأفلام القيمة. في كتابكم جمالية الفيلم السياسي ركزتم على ثلاثة منها، لماذا هذا الاختيار؟

كل أعمال سهيل بن بركة جديرة بالاحترام والتقدير.

كل مشروع من مشاريعه ساهم في خلق سينما لها جودتها، سينما تحاول الإجابة عن قضايا لها علاقة بالمجتمع ومستجداته.

إخراج فلم عن الفراعنة أو عن نظام الأبارتايد بجنوب أفريقيا دلالة عن إنكار الذات لصالح قضية تنبني على إلغاء الحدود والانتصار للإنسان أينما كان.

في ما يخص اختيار الأعمال الثلاثة التي ذكرتم، أقول أن هذا يستجيب لمتطلبات أكاديمية.

فقد اخترت أفلام يخص أحدها استغلال قصر من طرف رأسمالي بدون أخلاق، واستغلال شركات كبرى للتخلص ممن عارض أوامرهم او الاشارة إلى مواجهة سود جنوب أفريقيا لعنف وعنصرية البيض.

هذه الأعمال مكنتني من رصد الجانب الجمالي المستبطن في أفلام ذات حمولة سياسية.

خرج إلى حيز الوجود مؤخرا آخر أعمال بن بركة وهو رمل ونار. كلمة مختصرة عن هذا العمل..

يندرج هذا الفلم في إطار مشروع المخرج وهو تعريف الأجيال الجديدة ببلدهم من جهة، ومن جهة أخرى إبراز مدى الاختلاف بين الشرق والغرب.

مسار هذا الجاسوس الذي استقر في المغرب منذ 1802 يحمل دلالات عميقة حول علاقة العالمين الشرقي والغربي حاليا.

وهنا تتجلى أهمية الخوض في التاريخ خاصة عندما يتعلق الأمر برصد التناقضات في العلاقة بين هذين العالمين.

هذه القدرة الفائقة للغرب للاستعلام عنا دون إثارة الشكوك.

من خلال هذا الفيلم يعلن سهيل بن بركة رفضه لكل أشكال التطرف مؤكدا على أن الأعمال الجيدة تتطلب تمويلا ضخما وليس فقط الاعتماد على المساعدات المحلية كما دأب عليه القوم في مناطقنا.

 حاوره محمد عالي الحيرش

Exit mobile version