من يحمل لواء الحب (Amore) الصافي والمشاعر الصادقة على أرض القراصنة كمن يشتري قطا في كيس، ولكم تخيل ما سيحدث له فيما بعد، إذ أنّ حالات العذوبة والعشق منذ الأزل لم ترتبط بالقراصنة وسلالاتهم، لهذا سيجلد الخارج عن مللهم بشكل قاسي للغاية، وعلى يد من أحبها بصدق، فهذا جزاؤه عن جرمه (حبه)، ذاك العظيم الذي اقترفه في حقها، حق نفسه وحق تاريخ القرصنة وشرفها.
بعيدا عن القصص والروايات، عن الأمل والمغامرات، عن ألفة الإنسان للإنسانية، واعتزال الحياة زهدا بها وفيها، يرغب الفرد، يريد الإنسان، ويسعى لتحقيق تلك الإثارة على الأرض، مع إبداء وجود ولو طفيف، لتلك الإمكانية الرحيمة للتحقق، فتراه يشرب الشمس، ويرفض ابتلاع القمر، في لحظات يسميها بالسعادة (Felicità).
تبدلت الأحوال، والزمن الأول لابد له من تحوّل، تضيع آخر قطرة من شعاع الشمس، ليتحول الباقي لجزء مظلم من قمر لطالما كان المؤنس الوحيد للعشاق والمحبين، يلاحق العار ذاك الخدش المذكر، وتسترسل الحياة (La vita) في الاستمتاع بعذاب فرد أراد أن يحيى، لكنه لم يجد الوسيلة المناسبة للتنفس.
“… ها أنكم وصلتم، أيها الأصحاب، ولكن؟
لست أنا من عنه تبحثون؟
منذهلون أنتم؟ آه! أولى باستيائكم أن ينفجر
ما عدتُ أنا؟ يدي، وخطوتي، وتقاطيع وجهي تغيرت؟
أصحابي، ألستُ في نظركم ما أكون؟ …” (نيتشه، من أعلى القِمم).
الغرابة التي تهز الروح (Lo spirito) هي الساعية نحو إغراق ما تبقى من الصدق، فلم تعد هناك من علامات تؤدي بالذهن للتحرك باتجاهه الآخذ بالوجود، لقد مر الجميع بما له من رجاحة وبروز، مر كل البشر بما لهم من سداد وبقاء، مروا بحضورهم نحو ما يملكون من بشرى، ذاك الزيف (Falsità) الذي هان على القصّر، وحملته البراءة نحو مكانه الأخير.
من الأولويات، أن يسير العالم (Il mondo) على مسار الفرد، وإن اتسع المسار أو ضاق، على العالم هذا أن يحافظ على اتصاله بما هو موجود وقائم، الحب يزيل هذه الرابطة، صلة الفرد بالواقع، فاحذرها يا أيها المحب القرصان، هناك في الأرض ما يجعلك قابعا بين مومسات التاريخ، لهذا أفرك عيناك جيّدا لترى النور بشكل منير.
كل ما يحيط بالإنسان يذوب، قابل للذوبان أو غير قابل لذلك، لكنه سيذوب، ويعطي آخر قطرة تؤذن بالجفاف، وما أثقل جفاف الأرواح، وإن كان على أرض جرداء كأراضي القراصنة (i pirati)، فإن الشعور بالهجران سيعادل البكاء على أطلال بلا بكاء، هنا يتساوى الجميع أمام لهيب ارادة الرفاه، ولا أحد يجد من موقع كهذا منفذا للفرار.
تلك الصلة بالعناية (Cura) هي الفكرة التي تزيد من وحشة الفرد عند الفقدان، عند البقاء في جوف البئر وهو لا يستطيع ملامسة النور، ذاك الامتداد المجلجل هو ما يستبيح الروح، ليجعل من تاريخ الإنسان مكانة لا حصون لها، لهذا ترتصف المصائر كلها في سلة واحدة، لتخرج عن طوق الفناء من أجل العودة إليه..
ذاك المكان الذي يؤسس للفرد ما يمكنه تحريره من الذات لما تصبح في هيئة غير مدركة لعناصر الطبيعة (Natura) ذاتيا، ففي حين تأسيس مسارات الحيوات على سكك مختلفة، تسموا بالبعض ويظل البعض الآخر ضمن مناطق لا عدة لها لتأسيس ما سيبقى للأبد..
معادلة الأبدية التي تجعل من الإنسان التائه المدعي لمعرفة كل خفايا المحيا، هي النقمة التي تلبس ثوب النعمة، غامرة مكامن اللجوء لأهم سبل العيش، وعليه، تبدأ الأيام في نفث مفعولها في كل كيان بشري، والقليل من هذه الكيانات، يصبح قابلا للتجسيد، فيستبيح آخر البواقي من تلك البدايات، والتي تغنى بها الإنسان بها كثيرا، معتقدا بأنها من أبهى القوافي.