يرتمي الإنسان بداخل ذاته هربـا مما يلاقيه من نفسه، يحاول جاهدا التخلص من أفكار تراوده دون جدوى، يعاود التدخل في حياته، يراجعها، ويراجع كافة المؤثرات من حوله، ثم يمضي إلى ملجئه المتهاوي رأفة بحاله، بحيث توجد كل الأحلام المقتولة حية في مواجهته، ربما هي أشباحها فقط، لكن الفرد يستأنس بها من وحشة تصيبه في الصميم.
يا صولون (Solon) أنقذني من بلاد القراصنة!!
قد تفقد نفسك في زحمة سيرك وأنتَ تحاول أن تحيى حياتك، تحاول أن تسترجع ما بقي لك من ذاتك، تعاود الدوران خلف نفسك، تمسك بمعصمك المرتجف هلعا من وحوش تنهشك إلى درجة الصراخ بلا قيمة ولا انتباه، هكذا تحدث القدَر، هكذا علمتنا الحياة على أرض القراصنة بأن القرصان القوي هو الذي يؤدي أدوار النفاق والتملق بإتقان.
عندما تحاول الدخول في عالم الآخرين من حولك، فأنت بغير قصد منك تركب سفينتهم، تتكلم لغتهم، تتفقد ديانتهم، تعاود استرجاع قيمهم المسلوبة من انفسهم، تجمع كل هذا وتلقيه على روحك المتعبة، حيـاة القرصان إن لم يكن قد اختارها طواعية فهي مملة وقاتلة، لهذا هناك الكثير من هم ليسوا بقراصنة، لكن صاروا كذلك لأنهم وجدوا أنفسهم بين قراصنة من جلدتهم وفوق ظهر سفينة ترفع علم السواد.
أن تتحلى بالجرأة فتلك ميزة الشرفاء، لكن أن تظهرها أمام قراصنة آخرين فذاك انتحار بالمجان، هذه القضايا تتردد لدى البشر على شكل قصص وروايات، فما بالك إن وجدت نفسك تعيش أيامك بتلك الطريقة الطريفة بلا روح، لتحمل صورة ذاك الشخص المتجمد بلا ضمير، يظهر القسوة التي تخاف هي ذاتها رؤية ما هي عليه في مرآتها الخاصة؟ غريب!
سفينة القراصنة ليست قدَرًا وإن لم أختره، لكن الثمن أكبر من ان تتصوره أي ذات تحن إلى إنسانيتها، والعزم على مغادرة هذه السفينة التركية بلسان فرنسي وروح عربية بائدة، هو ضرب من المغامرة التي غالبا ما تنتهي بالاختفاء قسرا أو الضياع بين غياهب المجهول.
عندما تولد على ظهر سفينة القراصنة، فأنتَ وببراءتك التي لا جدال فيها ستحمل غصبا من محيطك بذور القرصنة، ستحمل كلماتهم، أحقادهم، تصرفاتهم والكثير من التعقيدات المشوهة التي تغلف غالبا بقيم بلا أساس، ولا صلة لها بالواقع، ستحمل همومهم التي لا علاقة لك بها سوى أنك وجدت نفسك بينهم.
ما قيمة القيم؟ إن ما كنتَ غير مشارك في صناعتها؟ أو على الأقل كنتَ مقتنعا بـها؟ طبعا هناك الكثير ما يقال في هذا المجال؟ ومن الطبيعيّ أن يكون جدل القِيَمِ بعيدا عن نطاق فهم القراصنة ومحتويات عقولهم.
القراصنة لا يرحمون أحدا حتى ولو كان منهم، والأغرب أن قانونهم الذي يُعتبر: لا-قانون، ينصّ على ألا تأخذهم لا رحمة ولا مودة بمن يتمرّد عليهم، المتمرّد في قانونهم مصيره الإعدام والرمي بجثته في أعماق البحار لتكون طعاما للأسماك، وهذا ما يحدث لي يا أخي صولون، هلا ساعدتني!
القراصنة الأصليون لديهم الكثير من المبادئ الغريبة، لكن تلك القوانين هي موجودة، وكل القراصنة يحترمونها بلا جدال، لكن قراصنة بمواصفات مشوهة ومشبوهة ولا يدركون بأنهم قراصنة أصلا، رغم قيامهم بأفظع مما يقوم به غيرهم، هم أكثر سوء من السوء ذاته، لهذا من الصعب التفكير في التمرّد على هؤلاء، خاصة إن ما كانت الرغبة في هذا التمرّد جامحة راسمة في الذهن تمرّدا “علنيا”؛ القرصان اليقظ بين هؤلاء هو ذاك الشخص الهالك لا محالة، لأن مفردات من طينة الحماية، العناية والإنسانية لا تزور قاموس هؤلاء القراصنة ولو بالخطأ.