مشكلة غياب الوعي الوجودي لدى سكان أرض القراصنة لا تزال في تزايد مستمر، ورغم كافة التحذيرات على كافة المستويات والهياكل، إلاّ أنّ القرصان لا يزال تحت مستوى الوعي-الوجودي بذاته ككيان قادر على التناغم والانسجام مع ما يدور من حوله وما هو خاضع له وتحت تأثيره، سواء بطريقة مباشرة أو عبر طرائق غير مباشرة تنشط ضمن فضاء خاص لا محل له من الإعراب فيه وعليه.
يقول مالك بن نبي في كتابه “في مهب المعركة”:
“ثمرة هذه (الثقافة الأهلية) شاخصة اليوم في حالة البلد الثقافية، حيث تدلّ دلالة واضحة على أنّ الخرق قد اتسع، وأن تخلف أولئك المساكين، (الذين يحسنون الحساب إلى عشرة) بالنسبة إلى التطوّر العام في القرن العشرين قد تفاقم”.
هذا تصريح عن الوضع وتشخيص له، إذ في القرن العشرين كان القراصنة يكتفون بالبحث عن شخص يحسن “الحساب إلى عشرة” حتى يتم تصنيفه في خانة “المثقف” الذي يصلح للزعامة والقيادة؛ عندما يتفحص المتأمّل فكرة إحسان الحساب إلى عشرة، فإنه يدرك حق الإدراك حقيقة القرصان، فهذا قد حدث خلال قرن كان فيه الأمريكان والغرب من خلفهم والسوفيات والصين وكافة أراضي آسيا الشرقية من خلفهم، يتسابقون بشكل محموم لتطوير الصناعات العلمية من غزو للفضاء والاسواق بمواد تكنولوجية وتقنية هي نتائج بحث نظري وعملي طويل جدا لعقول علمية بشرية لا تنام أبدا.
ظهر الفرق بشكل واضح وأتاح للمتأملين فهم عمق هذا “التفاقم” لما تم غزو بلاد الرافديْن، إذ شهدنـا مقارنة غير متوازنة علميا وفكريا، فبينما كان صدام حسيْن يحمس جيشه بشعارات بابل ودولة العباسيين، كان دابليو بوش يحرّك قواته نحو العراق لاحتلاله خلال أيّام، وانتهت المقارنة بسحق الجيش العراقي خلال أيام محدودة، واقتياد صدام حسيْن إلى المشنقة، وبالمقابل انتصار السير. بوش بفترة رئاسية جديدة.
التفوق الأميركي في ذاك الوقت بدا واضحا جدا، إذ القراصنة على أرض العراق الذين “يحسنون الحساب إلى عشرة” لم يقاوموا لأكثر من ساعات على الميدان، وأمام صواريخ “كروز” و “توماهوك” وقاذفات القنابل ومقاتلات إف-16 والطائرات بلا طيار، وحتى الامبراطوريات الإعلامية وقتئذ، كل هذا أظهر الصورة الكاملة التي لا تخز سوى الواعي من القراصنة؛ وقتها من تشكلت له الصورة بشكل ذهني لا شك فيه من العرب، أدرك يومها بأنه لا مكان له على أرض القراصنة هذه، فراح يعدّ العدّة للرحيل منها، إذ فهم بأن من “يحسن الحساب إلى عشرة” لا مكان له في قيادة القرن الأميركي الجديد، وعلى كافة المستويات.
الشعارات تبقى في النهاية مجرّد مسكنات لا أساس لها في قاموس الأمم الواعية، بينما نجد على أرض القراصنة من يؤمن بها أكثر إيمانا من دينه وعمله، إنّ البقاء تحت المظلة الغربية تارة، والتمرّد عليها باتخاذ المظلة المصنوعة في الصين مهربا، لا يحلّ مشاكل هذه الأرض، وتأكدوا بأن القرصان الذي “يحسن الحساب إلى عشرة” لا محل له من الإعراب في عالم تلعب فيه الخورزميات والأنظمة الثنائية من التسلسلات المنطقية اللا-نهائية أدوارا محورية في تحديد مواعيد حتى الوجبات الغذائية للشعوب التي لا تجيد سوى “الحساب إلى عشرة”.
لقد تمت عملية سرقة كبرى قام بها الغرب بحيلة محكمة التنفيذ، لقد تمت سرقة شعوب وأمم بأكملها، حدث هذا تحت طائلة اللعب على المخاوف الارتدادية للإنسان، بحيث لعب الطموح إلى الهيمنة المحرّك لما أحاط بالقراصنة اليوم من تهميش وعبودية، إذ نحن اليوم نشهد خوف القرصان من أمواج العولمة التي تحيط به من كافة الجوانب وتلتهمه دون إرادة منه، بدل أن نشهد قرصانا يرتجف منه عباب البحار.