راعني كثيراً وهالني أن يجهل كثيرٌ من أبنائنا وشبابنا تاريخ الإسلام والحروب حول الخلافة واستنكارهم الحديث عنها.. واعتبارها مُفتعَلة ومُختلَقة، في حين أنها تُشكّل أساس ما نعيشه اليوم من خلافات وصراعات بين المسلمين.. خاصّةً الصراعات بين السعودية وإيران، وحروب داعش، ونقل الخلافة من شورى إلى وصية، وملَكية، وظهور الفرق السياسية التي لا زالت موجودة بقوة حتى اليوم.
ممّا يعني فشَل تعليمنا حقيقةً في تدريس تاريخ الإسلام، والعمل على إخفاء ما هو أساسي فيه من أحداث، فكيف لا يعرف طلبتنا أن الرسول الكريم لمّا اشتد عليه المرض سنة 11 هجرية، لم يترك وصية لأحد رغم اعتقاد الشيعة بكون حديث “غدير خم” شكّل وصيةً لعلي بن أبي طالب. واحتجاج المهاجرين أثناء الاجتماع في السقيفة بحديث: “الأئمّة من قريش”، ورفض الأنصار تجاوز معنى لفظ الأئمة من إمامة الصلاة إلى إمامة الأمة.
حسم عمر بعد إلتحاقه على عجل بالسقيفة والمبادرة بمبايعة أبي بكر، وأُقنع الأنصار الذين اختاروا كبيرهم سعد بن عُبادة الأنصاري، بينما رفض علي البيعة طيلة حياته لاعتقاده بأنه الأولى بها لقربه من الرسول وتمثيله لآل البيت.
وعادت المشكلة للظهور بعد مقتل عمَر واختيار عثمان بدل علي، لينتهي الأمر إلى سيطرة بني أمية على عثمان الكبير في السن، حين استولى مروان بن الحكم على بيت مال المسلمين.. ولمّا احتج أبو ذر الغفاري المبشّر بالجنة نفوه إلى الربَذة رغم احتجاج علي، وتشاجره مع مروان. وجرح بعضهما البعض..
كما حمى عثمان جميع مراعي المدينة من مواشي المسلمين، إلاّ من مواشي بني أمية. واستئثارهم بأموال بيت المال، كل هذا أدى إلى نقمة المسلمين واستغلالهم الحج لمحاصرة دار الخليفة لمدة شهر داعين إياه للتنازل.. لكنه رفض قائلاً: “إنما الخلافة قميص ألبسني الله إياه”.
حاصروه بالجوع والعطش في رمضان وفي عزّ الصيف. ثم اقتحموا عليه البيت بالسيوف وزوجته تدافع عنه إلى أن قطعت أصابعها.. وأجهزوا عليه وهو يقرأ القرآن، كان ذلك سنة 35 للهجرة..
لا زالت النسخة الملطخة بالدم في إسطنبول، أُتهم كثير من الصحابة بالمشاركة في قتله من بينهم محمد بن أبي بكر الذي هرب إلى مصر وأحرقه عمرو بن العاص داخل جوف كدار.
ولما تولى علي الخلافة بعده رفض كبار الصحابة مبايعته ومنهم عائشة وطلحة والزبير، وذهبوا لمقاتلته في الكوفة، فيما سمي بموقعة الجمَل، إذ حملوها على جمل في هودج. فقتل طلحة والزبير وأُسرت عائشة، سنة 36 هجرية.
بعد ذلك قامت حرب صفين بين معاوية والي الشام وعلي، وانتهت بالتحكيم مما أدى إلى ظهور الشيعة مناصري علي والخوارج معارضيه وقاتليه، فاستولى معاوية على الخلافة وحولها إلى ملك عضود أي متوارَث، سنة 37 هجرية..
ثم قتل الحسين في كربلاء حين ادعى الخلافة، وقُتل عبد الله بن الزبير داخل الكعبة التي أُحرقت بقذائف المنجنيق في عهد يزيد بن معاوية، وساند أبو هريرة الأمويين الذين ولّوْهُ على المدينة لمدة 10 سنين، كما ظهرت أحاديث ملفّقة سوف نتحدث عنها لاحقاً تدعو لمساندة هذا الفريق أو ذاك، لا يمكن جهل هذا وإنكاره، لأنه الجزء الأساسي من تاريخنا، حين قالَ
“ما سُلّ سيف على قضية كما سُلّ على مسألة الخلافة”. عبد الكريم الشهرستاني