الجزائريون وكغيرهم مِن الكتل البشرية المترامية الأطراف على مساحات هذا الكوكب الشاسع، يسعون إلى التواصل فيما بينهم، وهذه العملية هي مجرَّد مقدِّمة لِمحاولة صناعة أرضية مشتركة تكون محايدَةً، مِن أجل فهم كلِّ واحدٍ منَّا الآخر، نعم! الفهم هو الهدف مِن استعمال اللغات على اختلافها، الألسن على تنوعها والبرامج الإلكترونية المعقدة على تعددها.
يقوم التواصل بين البشر على ثلاثة أركان أساسية كما هو معروف، ألا وهي: المرسِل، المستقبِل والرسالة، بينما يُضاف إليها ركن آخر في حالات كثيرة ألا وهو: التغذية الراجعة، وهي أركان لابد مِن توفرها في كلِّ عملية اتصال وتواصل بين اثنيْن؛ ولكي تنتقل الرسالة بين الطرفيْن: يجب استحضار الاستعداد لدى كليهما، فالمرسِل عليه أن يتقن بث رسالته باتجاه هدفه، والمرسَل إليه عليه أن يُحسن الإصغاء حتى يستقبل رسالاته بالشكل المناسب، وطبعا يجب أن تكون الرسالة في متناوَل المستقبِل حتى يسهل التعامل معها.
هذه العملية الأوَّلية، والتي نسميها بالإصغاء، أو السماع العقلي، يجب أن تمهِّد لها أوَّلاً عملية أخرى تكون فزيائية محضة، ألا وهي السمع، وبهذا يصبح الجزائري الذي يحاول جاهدا التواصل مع محيطه أن يُحسن الاستماع كبداية نحو العمليات الأساسية التي يتم بواسطتها التواصل التام، فهل يُحسن الجزائري الاستماع، فضلا عن الإصغاء؟
للأسف وبكلّ ألـم، لا، لـاَ ولا أيضا.
معظمُ الجزائريين لا يستمعون إلى محدثيهم، إن لم أقل أنَّ كلّ الجزائريين لا يستمعون إلى مَن يتحدَّثون إليهم ولأسباب كثيرة، تختلف مِن جزائري إلى آخر، ولكنَّ النتيجة واحدة، إمَّا سوء الفهم، القطيعة أو الاستجابة بشكل عشوائي دون مبررات ولا تمهيدات، وكأنَّنا أمام حوار طرشان في زفَّة عالمية معقدة الاتصالات وسريعة التواصل فيما بينها.
الجزائري لا يستمع إلى محدثه انطلاقا مِن النرجسية الرهيبة التي تقبع بداخله، تجعله ينظر إلى هذا المحدث بنظرة استعلائية، منطلقا مِن الحكم المسبق عليه، والذي غالبا ما يكون حكما قاصرا قاسيا، مما يقوده إلى التسرُّع في ردود أفعاله وأقواله سواء بسواء، وهذا بالذات ما يجعل الاستماع لديه يقترب مِن الانعدام مستبدلا الكلمات بالأصوات.
الجزائري لا يستمع إلى مكلِّمه انطلاقا مِن الغرور، وهذه ميزة تجعله يحتقر مَن يحدِّثه، مما يولِّد قطيعة كاملة بينهما، تقود إلى رفع درجات التباعد، التصادم والاشتراك في التنافر، فلا الرسالة تصل إلى مبتغاها، ولا الجهد المبذول في ايصالها يثمر باستجابة مناسبة.
- نسبة الأمية في الجزائر 2022 هي الأقل في شمال أفريقيا
- Erotik Öyküler: Bir Başka Bir Bakış
- الكتب الإروائية: نموا شهريا في الإمارat العربية المتحدة
- Povesti erotice: o explorare a pasiunii si a sensualitatii
- Erotic Literature: A Legitimate Form of Art and Expression
والجزائري أيضا لا يستمع لأنَّه يفترض مسبقا بأنَّ الموضوع، أي محتوى الرسالة الذي هو بصدد تلقيها هو موضوع تافه، موهِمًا نفسه بأنّه فاهِمٌ مسبقا لما يُحاول ايصاله له، وبهذا تصبح كلمات الرسالة تلك مجرَّد مراسيم عليه الخضوع إليها والتخلص منها في أقرب الفرص، فيصبح بذلك رافضا للرسالة دون أن يدري، ممتنعا عن فهمها بجهل واضح المعالِم.
عبر عملية آلية، متزامنة ومتراصة في سلسلتِها الديناميكية المباشرة، يفشل الجزائري في الاستماع إلى ما يدور حوله، وبالتالي يفقد القدرة على الاصغاء، وبعدها تنهار العملية كلها على طريقة انهيار أحجار الدومينو، بطريقة تنفجر أمامها كافة قواعد المنطق الأرسطي والبيكوني بشكل كامل.
مَن لا يستمع لن يفهم بالضرورة، لأنَّ المقدمات عينها تعطي النتائج عينها في العمليات ذاتها أيضا، وبهذه الطريقة فإنَّنا نضع الأصبع على أولى تفسيرات تلك التناقضات التي تعمُّ الكتلة البشرية الجزائرية، إذ غياب الاستماع/الفهم فيها هو صلب كافة الصدامات التي تؤسَّسُ على التناقضات، مِن مبدأ أنَّ غياب الفهم يعني غياب الحوار، وغياب هذا الأخير (الحوار) تعوِّضُه الفوضى التي تقود إلى العنف والتعنيف.
غياب الفهم مِن غياب التواصل السليم، وغياب التواصل مِن غياب عمل الأذن في مواجهة الأصوات الموزونة التي تصل إليها، وهذا لدليل آخر على غياب العقل، هذا الذي ينتج عن غيابه غياب التفكير، ميزة الإنسانية العظيمة.
6 تعليقات