عِندمَا يَلُف اللَّيْلُ الْمَكَانَ بِردَائه الَأسود وَحِينَ تَسْكُن الْأَصْوَاتُ، يَأْتِي دورُ عقلِي الَّذِي لا يسكن ضَجيجًا فِي رَأْسَي، لا يَنفك يَتَوَقَّفُ يُحَذِّرُنِي يُأدبني يُنْدِمُنِي يذكرنِي، الْمُهِمُّ أَنّهُ لا يهدأ أبدا..
يَغُطَّ الْكلُّ فِي نوَم عَمِيقٍ وَأبْقَى أنا المَصلوُب عَلى أعواد عقلي الْهَائِمِ على خُطى فكري، وتَأن عَيْناي مَن الْألَم وقد ألفت الصداع الذي أصبح أكثر من قرين خُيُوط كَثِيرَة تَلف الدِّمَاغ، تَقْفِزُ متراقصة عَلى أَعْصَابِي مُسَبِّبة أَلَما دَائِما، أتذكر أنّ الصُّدَاع زارني عندما كنت صَغِيرا بيد أَنّهُ كَانَ مؤقتا سَرِيعا ولكن الْيَوْم قَدْ أصبح ضيفي الدائم، وَلَكِني بِالرَّغْمِ مِنْ هَذَا كَبِرْت..
لِمَاذَا كَبُرْتُ يَا أُمِّي وَعَرَفْتُ هَذَا البَلَاءَ؟ أتَذَكَّرُ قَدِيمًا عِنْدَمَا كَانَتْ تَأْتِي التَّاسِعَةَ تَقُولِينَ لِي اذْهَبُ إِلَى فِرَاشِكَ عَلَى أَوَّلِ نَوْمِكَ، كُنْتُ أَرْفُضُ وَيَغْلِبُنِي النَّوْمُ فَأَسْتَيْقِظُ أَجْدِنِي نَائِمٌ فِي سَرِيرِي، مَا أقسى هَذِهِ الأَيَّام! مَا فَعَلْتِ بِنَا؟! عَوَّدْتَنَا الاِطْمِئْنَانُ!! كُنَّا نَظُنُّ أَنَّ الدُّنْيَا تَنْتَهِي عِنْدَ هَذَا وَفَقَطْ، نَوْمٌ هَادِئٌ وَاِسْتِيقَاظٌ مُبَكِّرٌ وَفُطُورٌ خَفِيفٌ مَعَ كُوبِ اللَّبَنِ المُفَضَّلُ، هَذَا جُلَّ دُنْيَاي..
آه يَا أُمِّي!! لَوْ تَعلمي كَمْ يَتْعَبُ هَذَا الْجَسَد الَّذِي غَذَّيْتِهِ وَكَمْ يَنْخَرُ فِيهِ الْأنِين وَكُنْتَ فِي صِغَرِي عِنْدَمَا أَتَأَلَّمُ أَصْرُخَ عَالِيًا بَاكِيًا، الآنَ لِمَنْ أَبْكي لِمَنْ أصرخ، النَّوْمُ الهَادِئُ يَا سَادَة أَصْبَحَ حُلْمِي البَعِيدَ، أَمِيرَتي الَّتِي فِي السَّمَاءِ وَالَّتِي لَنْ تَأْتِي وَاللَّيْلُ أَصْبَحَ مُعَانَاة الأجفان، وعنْدَمَا أظفر بسويعاتِ هَادِئِة يُوقِظَنِي إما حلْم سَيِّئ أو صَوْت عابر وَلَوْ كَانَ هَمْهَمَة أحَدِهِمْ أو تَقَلُّبَه، لِلْأَسَف نومي خفيف، أخف مِنَ الرِّيشِ على الجلد وأدق من الشعر على الرأس، لَعَلَّ لِهَذَا مِيزة أنني أُزْعِج بحركتي شياطين اللَّيْلِ الساكنة وأُنْغِص عَلَيهُمْ وَسوسَتهمْ الْهَادِئَة وَأنشط مَلَاَئِكَة الْأَكْتَافِ فَيُجَدِّدُوا الصُّحُفَ وَيَبروا الْأَقْلَاَمَ..
أوصاني صَدِيقَي بِبَعْضِ الْحُلُولِ الَّتِي لَهَا تَأْثِير مَضْمُونُ على حد قوله، ولكني جَبانَ عَلى تَجْرِبَةِ مثل هذا ولكن لَا أخفي أَنّي أفكر فيها.. لَعَلّهَا مُشْكِلَةَ الْكَثِيرِينَ وَلَكن هَيْهَاتَ أَنْ يَجَدوا حُلُولا، ولعلي أَغَبَط أحدهم عَلى نَوْمِهِ السَّرِيعِ فِي أي مَكَان وتحت أي ظروف..
لا أعرف كيف أصف حالة الأرق وعدم النوم ولكن..
تخيل أَنْ جَسَدُكَ مُضني على السَّرِيرِ وَجَفنَا عَيْنَاكَ يَتَأَرْجَحَان وَتَلْعَبُ فِي رَأْسِكَ النغزات وَفَمِكَ قد خَرس عن الْكَلام، ويديك قد نَمِلت وَمَعَ هَذَا لَا تَنَامَ!! تَخَيل كَمِّيَّةُ الْقَسْوَةِ!!
فَحَوَاسِّي أَصْبَحَتْ كَعُمَّالٍ أَضْنَاهُمْ التَّعَبُ فِي مَصْنَعٍ يَظُنُّ أَنَّهُ يَعْمَلُ.
فالنُّوَم نعمة لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمَة..