كثيراً ما يقفزُ جهل العديد من الفقهاء والإسلاميين السياسيين بل حتى المؤرخين على مُشكلة الخلافة وسلّ المسلمون السيوفَ من أغمادها من ساعة وفاة الرّسول.. حين تُوفّي يوم الإثنين صباحاً، ليُدفنَ يوم الأربعاء ليلاً، لأن الصحابة انشغلوا بمواجهة بعضهم البعض، حول من يكونُ خليفةً للرسول؟ الأنصار أم المهاجرون؟ آل الْبَيْت أم بني أمية؟ أم أن الأمر يبقى شورى بإجماع المسلمين..
بويع أبو بكر، ثم ترك الوصية كي يتولاّها عمر بعده، ثم عثمان بعد إزاحة علي للمرة الثالثة وهو في الانتظار، معتبراً إياهم مغتصبين لما يعتبره حقّاً له بالوصية، أي الوراثة الدموية والروحية..
ليُقتَل عثمان ويُتّهَم “علي” بالمشاركة أو على الأقل التحريض على قتله.. مما اتخذه جماعة من الصحابة، على رأسهم طلحة والزبير وعائشة ثم معاوية، ليكونَ ذريعة للامتناع عن مبايعته.. فوقعت حرب الجمَل، ثم صفين..
لينتهي الأمر بالتحكيم، وتفرق أتباع علي شيعة وخوارج.. ثم مقتل علي من طرف الخوارج، بعد إبادته لهم في النهروان.. واغتصاب الخلافة من طرف الأمويين الذين حوّلوها إلى مُلك وراثي.. وقتل الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير وهو متعلق بأهذاب الكعبة.. وغيرها من المواقع والحروب مما جعل الشهرستاني يقول: “ما سُلّ سيف على قضية، كما سُلّ على قضية الخلافة!”.
فلماذا نستمرّ في اعتبار هذه الفترة فترة للصلاح والسلف الصالح، عوَض تسمية الأشياء بمسمياتها، واعتبارها فترة فتنة وتقاتل من أجل السلطة والجاه؟
لا شكّ أن لبعض الفقهاء والإسلاميين السياسيين غاية محددة، هي إزالة كل ما يشوّش على أحلامهم الطوباوية والمثالية والنوسطالجية، ليحتفظَوا فقط بما هو خيالي وجميل ومختلَق جزءً جزءً، كي يظهرَ التاريخُ ناصعاً وجميلاً، ويظهرَ عصرنا، عوض التقدم التكنولوجي والمعرفي والعلمي وعلى كلّ الأصعدة مجرّد جاهلية وجهل وفوضى سياسية وأخلاقية، كي يُبهروا العامة الذين لا يعرفون التاريخ وينساقونَ وراءَ أوهامهم المثالية، بهدف الاستيلاء على السلطة وتحويلها إلى ملكيات وراثية، وغير ديموقراطية..
بل تُحيي شريعة حمّو رابي للفصل بين الناس، حين رأت في الاستعمار التّركي خلافة عُثمانية راشدة وعادلة. بينما اكتوى بنار ظلمها واغتصابها للحقوق كل من عاشوا في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط تحت نيرانها واستبدادها..
إن المشكلة تكمن في التغاضي عن حقيقة التاريخ وتقديمه على طبق مرصّع بالذهب والأوهام والخيال، ووصفه كما توصف الجنّة للمحرومين بأنها ملء بنساء أسطوريات وأكل وشراب يفوق كل تصور وإبداع. بينما اللغة هي التي ساعدت على تحويل الواقع إلى أوهام ديماغوجية وإيديولوجية. فطوبى للحالمين!