فرديناند كانغ سكوت شيلر (F.K.S. Schiller) المولود في ألمانيا العام 1864 والمتوفى في إنجلترا العام 1937.
درس في جامعة أكسفورد، وبعد ذلك كان أستاذاً هناك. وبقي فيها لغاية العام 1926 لينتقل بعدها أستاذا زائرا في جامعة كاليفورنيا الجنوبية.
عاش شيلر 73 عامًا، عمل منها 35 عامًا لنصرة الفكر البراغماتي، إذا بدأ بإصدار كتاب المثالية الشخصانية في العام 1902 بالاشتراك مع سبعة من زملائه. وكان هذا الكتاب أول الكتب الإنجليزية البراغماتية.
اشتهر فرديناند كانغ سكوت شيلر في حياته بالفيلسوف. لكن بعد وفاته نُسي جزء كبير من أعماله إلى حد كبير.
صدر في سنة 1934م بمدينة لندن كتاب بعنوان: “أينبغي أن يختلف الفلاسفة”، حيث ورد على صفحته السابعة ما يلي: “يقضي نظام التربية في أميركا بأن يفرض على كلّ باحث لموضوع من المواضيع الأكاديمية ضرورة شرحه للناس، والعمل على إثارة الاهتمام به وجذب الجمهور إليه على نحو ما”.
بهذه العبارات قام الفيلسوف الألماني البريطاني فرديناند كانغ سكوت شيلر، ذو النزعة البراغماتية بتشريح نقطة مهمّة للغاية لدى المجتمع الأميركي الذي يقود العالَم المعاصر، ألا وهي إدارة “انتباه الجماهير”، عبر تكليف نخبة أميركا بهذه المهمَّة الحسّاسة، وسرعان ما نجح هؤلاء وكما تظهره الأحداث السياسية والثقافية المتعاقبة ذاك النجاح الذي يستحق التقدير لهؤلاء العباقرة قولا وفعلا.
طبيعة الأشياء تفرض على الجمهور البحث عن راعٍ له، يوجّه ذوقه العام، يصنع له الأحداث، يضيّق عليه الخناق، ثمّ يعطيه حلاّ سحريا، يخرجه مِن قبّعته الثقافية التقليدية، مهما كان انتماء هذا الجمهور، ومهما اختلفت تيّاراته ومراجعه، فهو كضرورة يحتاج إلى مَن يؤدّي هذه المهمّة مهما يكن.
في الوقت الذي كانت أميركا تقود جمهورها إلى الإبداع الثقافي والتميّز العلمي/الأكاديمي، توجّهت أوربا إلى العراقة التي صمّمها الفن الإيطالي والموسيقى الجرمانية بحماسة منقطعة النظير.
فجعلت مِن أشخاص كـ أفلاطون، جون لوك، بركلي، هيوم، شوبنهاور، نيتشه، فولتير، برغسون، رَسَل، سنتايانا وويليم جيمس شخصيات اعتبارية بل بعضهم ارتقى إلى مرتبة الأيقونات، فصارت قناديلا تقود الشعوب الأوربية نحو الهدف الذي أعلن عليه الزعيم تشرشل في زيورخ سنة 1945، ألا وهو: الاتحاد.
الجمهور يحتاج إلى قنديل ليقود خطاه، ويسير الجميع خلف هذا النور حتى يبلغ الهدف الذي كان بالأمس البعيد حُلما يحتاج إلى الحِلم والروية لتحقيقه.
فما هو قنديل الجمهور الجزائري؟ وإلى أيّ اتجاه هو سائر؟
لقد بيّنتُ بالتدقيق المستفيض هذه النقطة على وجه الدقّة في كتاب: “قاتلي يتدرَّب في شيكاغو”، ومفاد معناها الهادي هو أنّ هناك على الأقل ثلاثة قناديل متصارعة، تحاول الاستحواذ على الجوّ العام للمنطق الجمعي للجزائريين:
- العروبة.
- الأيديولوجيا الدينية.
- الشغف الفرنسي.
العروبة
هذا القنديل يستغلّ ذاك الحنين الذي يسكن الجزائري إلى اللسان العربي، كونه لا يزال يحمل في أعماقه رواسب الحرمان من التعبير عبر اللسان العربي عن كنهه الباطن، نتيجة للتسلّط السافر للإدارة الإجرامية الفرنسية إبّان الفترة الاحتلالية الفرنسية للجزائر.
فالجزائري البسيط يرى في تقمّصه للسان المتنبي نوعا من التحرّر، وتعبيرا عن حرية لا تزال مختطفة منه حتى الآن.
وهذا ما قاد العقلية الجزائرية إلى تبنّي النماذج المصرية، الشامية وبعض الروافد الخليجية كتعبير عن هذا الحنين الخفي.
الأيديولوجيا الدينية
معظم الجزائريين مسلمون بالوراثة، وتشبّثهم بهذا الدين عبر تعلّقهم بقدسية بعض الممارسات والطقوس الدينية نتائج لما تعرّض له الجزائري من التضييق والتبشير الذي قامت به الإدارة الإجرامية الفرنسية عبر مصادرة الأراضي التابعة للأوقاف وتحويل المساجد إلى اسطبلات للخيول ومصانع للخمور.
في إهانة صريحة للمشاعر الدينية الجزائرية الفطرية، مما أدّى بالجزائري إلى التمسّك بكلّ ما هو إسلامي، كلّ فرد تبنّى المرجعية التي يرتاح إليها.،
فالبعض اتجه نحو الأزهر، الآخر اتجه نحو الزيتونة، والأغلبية حافظت على نظام الإمام مالك بن أنس رحمه الله، في حين قد تأثّرت شريحة واسعة بما جاءهم من الوهابية السعودية، لهذا بقي الجزائري سجين ردود فعله الدينية.
الشغف الفرنسي
وهو ناتج عن محاولة الجزائري لإظهار تميّزه عن الآخرين، فيحاول مضطرا تبني إحدى النماذج الغربية، وبموجب العلاقة التي تحمل الكثير من التناقضات مع فرنسا المجرمة،
نجد الجزائري يحاول الارتماء بين أحضان “الحرية، الإخاء والمساواة”، هذا الجانب حرّك مراصد باريس، فاتجهت إلى تصدير كافة أنواع السخافات إلى عقل الجزائري، مستغلة تعطشه للتقدّم واكتساب عناصر التحديث والقوّة، فكانت النتيجة نشر مذهب “الأنديجانية” بين صغار العقول من الجزائريين.
تلك التي تسمّي نفسها “إعلامية” فتقوم باستغلال عملية ترويع الجزائريين من أجل إهانة الكثير من الشرائح الإنسانية الجزائرية، بطريقة متعالية للغاية، ما هي سوى نتيجة بديهية لذاك الذي اعتبره الجزائريون قنديلا يقودهم إلى الأعلى، بينما عمل هو على تشويه كلّ ما هو جميل على أرض الجزائر، جاعلا من التفاهة الأعلى سلطانا على ضمائر أبناء الجنّة ما وراء البحر.
2 تعليقات