ما الذي وقع لنا بالضبط حتى صرنا في ذيل الأمم ومؤخرة الركب؟ سؤال يحتاج منا إلى وقفة تأمل وتبصر لتشخيص الحالة التي يعيشها المجتمع الإسلامي أفرادا وجماعات، بمعرفة طبيعتها على الصورة الحقيقية وأسبابها ومظاهرها وما يلزم لإيجاد الحلول الجذرية لها.
يعيش الإنسان المسلم اليوم، داخل وسط متوتر جدا، سياسيا، اقتصاديا، فكريا، واجتماعيا بلغ به الأمر حد التيه العظيم، فلا يقدر معه على تلمس معالم الطريق السوي الذي يخرجه من هذا الوضع المحرج، وبالتالي يجعله في مصاف الدول والأمم المتقدمة.
إذا؛ حصل لنا تيه عظيم في الرؤى الاقتصادية والسياسة والفكرية والاجتماعية، ما جعلنا نتردد بين مختلف المشاريع ذات الصلة بالمجالات التي ذكرناها، حتى لم نعد ندري أيها أفضل لحالنا ولمجال تداولنا الخاص، لانتشالنا من التخلف الذي نتخبط فيه باستمرار.
دعونا نقتصر هنا على جانب واحد من المسألة، فالإحاطة بكل هاته الجوانب صعبة. نقدر أن طبيعة حالنا، هي بالأساس حسب تصور المفكر المغربي طه عبد الرحمن: “تيه عظيم في عالم الأفكار”، فنحن لسنا مأزومين ولا مهزومين ولا عاجزين فكريا، كما يبدو، بل إن ما حل بنا هو على الحقيقة تيه وحيرة، نحن تائهون وحائرون، يترجم ذلك حال الشتات الذي يوجد فيه أهل الفكر في عالمنا الإسلامي، شتات في المكان فلا مأوى يجمعهم، وشتات في الزمان، فلا تقارب واتصال بين الأجيال الحالية منهم بالأجيال السابقة، بل حتى مع أبناء الجيل الواحد منهم، وشتات في الأفكار، بين من ينادي بالتقليد والانكماش ومن يدعو للانفتاح والتسيب، ومن يتقلب بين هذا وذاك دون أن تكون له وجهة واضحة تماما.
لقد حصل لنا تيه عظيم بالفعل، حتى بتنا لا نميز بين الصالح والطالح من الرؤى والتوجهات، ولا نستطيع الحسم في معالم المشروع الحضاري الذي نريد أن نتبناه كمشروع للنهوض والتقدم بالأمة.
يلزمنا للخروج من هذا الوضع، التنادي إلى “كلمة السواء” التي تنادى بها الفيلسوف طه عبد الرحمن، ألا وهي “أن نفكر وأن نطيل التفكير”، فلا يكفي التفكر وحده، بل ملزمون بإطالة التفكير كذلك، ويتأتى ذلك بالاهتداء إلى الأهداف الصالحة والوسائل النافذة.
أما الاهتداء إلى الأهداف الصالحة فيكون بتفكير الجماعة لا بتفكير الفرد الواحد، لأنه متى ما تم التفكير الجماعي، فإنه يولد لنا ما أسماه طه بــ: الأفكار الكبرى، والأصل فيها أنها تفكير في مقاصد الأمور، وهو أمر مثل سمات المشروع الذي اشتغل عليه، وهو إقدار الإنسان العربي على التفلسف، أي منحه القدرة على ممارسة التفكير الفلسفي بشروطه، وذلك عن طريق تحصيله الطاقة على الإبداع، مخالفا بذلك التيار الرشدي الذي يقضي بأن فعل التفلسف فرض على الخاصة، كما جاء في كتابه: “فصل المقال”.
أما الاهتداء إلى الوسائل النافذة فيكون بإطالة التفكير الذي يولد ما سماه بــ: الأفكار الطولي، والأصل فيها أنها تفكير في عواقب الأمور، فلا يكفي التفكر وحده منعزلا عن استحضار المآل الذي يمكن أن تنتهي إليه هذه الأفكار، فميزتها بالأساس تتجلى في إطالة التفكير فيها باستحضار متعلقاتها كلها، وهو ما يمكن أن نسميه بـ: التفكر الاستراتيجي.
إن مدخل الإجابة عن هذه الإشكالات، التي نلتمسها جميعا، محورها استنباط الأفكار الكبرى والأفكار الطولي، وتداولها بشكل جماعي بما يحقق اليقظة الفكرية التي نسعى إليها، باعتماد الحوار الفكري في الوصول إلى هذا المبتغى، لأهميته ولكونه، أي الحوار الفكري، متى ما دار بقواعده وشروطه، من شأنه أن يزيل كثيرا من الالتباس والتيه الذي نعيشه، فيعمل على تقريب الرؤى وإزالة الشتات، ما يمهد لتصالح بين المهتمين بالأمر، في أفق التأسيس لنموذج حضاري رشيد قوامه إصلاح الفكر وتمليك أربابه آلياته.
كاتب التدوينة: الطاهر بلقائد