أدرت ظهري إلى باب عالمي، يكفيني ما رأيته من هذا المجتمع. أمعنت النظر حولي بين الوجوه وبسقت شاتماً الحياة. ثم أرسلت نظراتي باحثاً عن شيء. أمعنت النظر حولي ثانية في الشارع، يتجاوز عدد الواقفين عدد الجالسين إلى مقاعد البستان. ينام البعض على الكرتون كالقطط، وقد صبغ التعب وجوههم بلونه الباهت. روائح مختلفة تنبعث في المكان، أميز بعضها وأجهل بعضها الآخر.
أُطفئ النور على مخيلتي وأشعلت سيجارة ويسطون، ثم وقعت أسيراً في معركة ضد الحياة.
بدأت أطرح أسئلة فلسفية عميقة من دون أن أجيب عنها.. ما الحياة؟.. ما الموت؟ ما معنى أن يعيش الإنسان فترة من الزمن ثم يموت؟.. هذا عقابٌ من الربّ؟!
اتخذت قرار لا رجعة فيه، سأترك الجامعة وسأبحت عن عمل يروقني، أريد في اتخاذي لهذا القرار أن أحرر نفسي وحسب. أريد ملاقاة ذاتي التي باتت منعدمة في خضم هذا المجتمع، هذه الثقافة العربية السائدة على تكوين الفرد التّابع، المُتّبع، المُقلّد. تنهض على تكوين الشبيه والمُماثل. كأنّها ثقافة الاستنساخ كما يقول أدونيس.
لا أحب إسداء النصائح وأنا في أمس الحاجة إليها.. ولكن، كفى من التبعية يا قوم.
وفي الطريق إلى البحث عن عمل، تذكرت أحلامي تلك التي نلت فيها على مضاجعة النساء، وفي الواقع الخطباء والفقهاء والسلفيين حُرمت.
رغم كل هذا وذاك، لم أستطع طرد المومسات من قلبي. لم يحُل الدين دون رغبتي في الحصول عليهم، ولم يصرف ميلهن لجنسهن عن زيارتي في أحلامي. بل وحتى في يقظتي.
ما عاد كلام رجال الدين يثير الرعب في نفسي، وإن كرّر المجتمع على مسمعي كل يوم، “لا تفعل ذلك، فذاك حرام..”. لم يعد يجمعني بهذه الفتاوي شيء على الإطلاق، صدق ميشال فوكو حينما قال: “أكثر الشُّعوب تحريماً لشيء هم أكثرهاهوساً به.”، صرخت ثم رفعت صوتي قائلاً: النّكاح أرقى العبادات!
خيّم السكون على الشارع وأتممت طريقي إلى عالمي، ولا أحد يستطيع أن يعرف الطريق إليه. وبعد وصولي إلى وطنياللاّجئ. فزعت! أيُّ مصير ينتظرني هنا؟
لم يلبث لساني بين أسناني هنيهة، حتّى استسلمت للواقع..
وقَّعت عقداً مع “دار بائعات الهوى” فور اجتيازي الاختبار بنجاح. أبليت بلاءً حسناً في عملي، رغم الصعوبة التي كنتأواجهها في البدء. فكوني مازلت جديد بالحرفة، حيث أنَّ القدماء في هذا العمل كما في جميع الأعمال الأخرى، همأصحاب الحظ الأوفر. إلاّ أنّ هذا لم يشكّل لي أيّة مشكلة لأنّني أعمل مقابل راتب شهري. ومع مرور الوقت أصبحت محنّكاًفي هذا المجال، أستمتع بساعة النّشوة الجنسية الحقيقية بعيدا عن ما قدّمه لي ذاك الوطن.
أذهب إلى عملي حاملاً بداخلي شوقٌ للمكان، أضاجع كلّ ليلة مومس. نتكلّم مع بعض لغة الجنس في الفراش. ولا أقول شيئاً إذا راحت أصابعه تُداعب الفخذ سرّاً تحت مأواه.
أطفئ مصباح الغرفة الوحيد. وأشعل الشموع ثمّ أتنشّق أعضاء زبونتي، وأخذ ما بين فخذيها. فنرتاح بعض الوقت، ثمّتكون لنا عودة إلى ذاك الذي توّاً بدأناه.
لم أجد مكاناً للحزن وأنا مسحورٌ بحكايات الجنس اللّطيف من حولي. ولا أحتاج للتّخمين.
أحببت نفسي كثيراً. لأنّني هيّأتها منذ زمن طويل لهذه الأيّام. أنا خُلقت لأعيش هذه الأوقات، هيّأت نفسي لهذا كي لاأتعلّق بمشاكل الحياة. هجرت إلى عالمي هذا باحثاً عن نفسي قبل أن يصبح وجهي واحداً من الوجوه الباهتة التيلطالما أشاهدها حولي. ولكن، دروس الحياة أكّدت لي أنّ ما يقدّمه الجنس سوف يضمن لي السعادة تلقائيّاً.
وهكذا. ولعلّ هذا السّبب هو ما يجعل الإنسان غير قادر، تعيس ويائس، ويبدع في مجالات عديدة وذاك في زمن قصير، وباستمرار.
وأنا في غمرة فرحي كنت قد اعتدت في أوقات كثيرة في ساعات متأخّرة، أختلي فيه بنفسي وأسند ظهري إلى مكان نومي وأذخّن السيجارة متأمّلاً الأشياء من حولي، طارحاً السؤال التالي: ما هو المكان القادر على تقبّل ما بي، ويفتح أعضاءه لجرحي؟
كاتب التدوينة: طارق عزيزي