“شيفرة بلال”، تلك الرواية التي قرأتُها منذ فترة ليست بقليلة ولكن مازال صدى تأثيرها يتردد إليَّ من حين إلى آخر، لا أدري هل يحدث ذلك لجميل أسلوب الكاتب الذي أدهشني لما يحمله أسلوب السهل الممتنع، أم لأن قصة بلال الصغير لامستني، عبَّرت في جانب من جوانبها عن الكثير منا، تلك الشخصية التي تتشبث بالقليل من الأمل لكي تصنع شيء خلال تلك الأيام المعدودة لها في تلك الدنيا الفانية شيئاً محموداً، يختص بها فتحملنا الرواية إلى زوايا مختلفة في حياة أشخاص بعيدين كُل البُعد عن بعضهم، ولكن القدر سيجمعهم معاً ليجد كل منهم ضالته في الآخر.

ففي بداية الرواية سيأخذنا الكاتب معه إلى أسرة لم تكتمل بعد، فالأب هو سعيد عربي مسلم تزوج من لاتيشيا أجنبية أحبته كثيراً ولكنه كان جاحد بذلك الحُب، ولم يُقدِر تلك الإنسانة التي منحته إياه، كان مُتقلب المزاج دوماً، بعيد كل البُعد عن دينه وهويته..

كان الاثنان بانتظار مولودهما، فكانت لاتيشيا تأمل بأن يتغير سعيد بقدوم ذلك المولود، وبعد فترة من الانتظار أتى المولود الجديد فاختار سعيد له اسم “بلال“، بعد أن دخل أحد المساجد وكان يُسمى بلال، وسأل إمام المسجد عن الاسم فتذكر قصة “بلال” أيقونة الصبر الإسلامية، فحاول سعيد أن يتغير من أجل ابنه ولكنه لم يلبث سوى أيام حتى عاد كما كان..

في تلك الأثناء؛ قررت لاتيشيا أن تثور على عاطفتها وتترك سعيد لنفسه الميؤوس منها وتذهب مع ابنها، وبالفعل انتهت حياة لاتيشيا مع سعيد التي كانت بمثابة معاناة وليست حياة، فاتمَّت لاتيشيا تعليمها الجامعي بعد أن تركته من أجل أسرتها وبعد إتمامها عُينت مُدرسة في إحدى المدارس.

وكما نعلم فأمريكا هي موطن العنصرية فعانت لاتيشيا من عنصرية مدير المدرسة لكونها من أصحاب البشرة السمراء، ولكن تحمَّلت لاتيشيا ذلك من أجل ابنها بلال الذي تعيش من أجله، وفي ذلك الوقت كان بلال الصغير يُعاني من التنمُر الواقع عليه باستمرار من قِبَل عدد من التلاميذ معه بالصف، ولم تكُن لاتيشيا تعلم بذلك الأمر فقليلاً ما كان يقص عليها أخبار يومه الدراسي..

وفي يوم مَرِضَ بلال الصغير، وكشفت الفحوصات بعد ذلك أن بلال يحمل ذلك المرض السرطان وهو في المراحل الخطيرة، ماذا تفعل تلك الأم وهي ترى وحيدها يعاني من أبشع أنواع الألم، وهي تظن أن بلال لم يعرف بمرضه ولكنه عَلِمَ بمرضه جيداً، وبحث عنه في الإنترنت..

وفي يوم وجد بلال الصغير إعلاناً موضوعاً في إحدى الشوارع عن قدوم فيلم جديد بعنوان ” بلال” ففرح بلال الصغير كل الفرح بأن اسمه موضوع كأفيش لأحد الأفلام القادمة والتي ستُعرض قريباً في كُل دور العرض، وسيُشاهد كل مَنْ يتنمر عليه من التلاميذ ذلك الفيلم الذي يحمل اسمه، فعرف بلال الصغير الكثير من المعلومات عن بلال المُسلم، وقرر أن يقتدي به في صبره على كل الشدائد التي يتعرض وسيتعرض لها.

ويأخذُنا الكاتب معه لكي نطرق باب أمجد الحلواني، ذلك البروفيسور الأكاديمي، من المُفترض أنه مُسلِم بالوراثة ولكنه مُتمرد مؤمن أو يدَّعي بأنه مؤمن بأنه لا إله، مُتخبِط في تلك الحياة تائه أيضاً، لا يعرف إلى أي الفرق ينتمي..

وفي أحد الأيام، تحصل أمجد على عرض عمل ليكون من فريق الإعداد وكتابة فيلم يحمل قصة شخصية إسلامية تُعد أيقونة للصبر في الإسلام، تردد أمجد كثيراً ولكنه وافق، واشتد حماسه للعمل عندما قرأ أول رسالة إلكترونية أُرسلت إليه من فتى صغير مريض بالسرطان، وكانت أمنيته من أمجد بأن يشاركه في الإعداد للفيلم وأن يطلع على سيناريو الفيلم، فوجد أمجد ذلك الحافز الذي سيحثه على المُواصلة، وتدور الأحداث ويأخذُنا الكاتب في جوله لإقناع أمجد وبأن يحول وجهته من أنه لا إله إلى وجهة “لا إله إلا الله مُحمَد رسول الله”..

وسيتعاون أمجد ولاتيشيا فيما بعد لتحقيق أمنيات بلال الصغير، الذي بدأ في كتابة تدويناته التي تحمل رسائله إلى كل شخص أو شيء مر عليه في حياته، حتى أنه كتب رسالة إلى السرطان نفسه حيث يقول:

“عزيزي السرطان..

للوهلة الأولى، سيبدو أنك انتصرت عليَّ..

هذا سيبدو عندما تنطفئ كل الأجهزة، الأمر الذي سيحدُث عما قريب أعتقد.. لكن عليك أن تعرف أن الأمر ليس كذلك، ربما أنت قبل أي أحد..

عزيزي السرطان؛ تعرف أن الأمر ليس كما يبدو، في هذه المعركة، أن أموت لا يعني أنك انتصرت فالجميع سيموتون في النهاية أنت نفسك ستموت..

عزيزي السرطان؛ عندما أموت أنا فموتي لا يعني انتصارك..

في هذه المعركة، هزيمتي الحقيقية ليست بموتي لأني سأموت لا محالة، بل هزيمتي عندما تقل إرادة الحياة بداخلي، عندما أموت قبل أن أموت، عندما أموت دون أن أترُك أثراً للحياة في هذا العالم.”

وفي تلك الرواية يأخذنا الكاتب في رحلة للماضي إلى رؤية تلك الوقائع الشاهدة على صبر بلال مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم مع أمية الذي مثَّله بلال الصغير بالسرطان، فعليه أن ينتصر عليه كما انتصر بلال رضي الله عنه على أمية..

وفي النهاية سيذهب بلال الصغير منتصراً بالرغم من وفاته، ولكنه لم يفقد إرادة الحياة..

الختـــام

رواية شيفرة بلال من الروايات التي تفتخر مكتباتنا العربية باحتوائها لرقي أسلوب كاتبها ووعيه وإتقانه لأسلوب الحوار والإقناع والتأثير في القارئ وإدخال المعلومات بطريقة مُشوقة وسلسه أيضاً.

جميع المقالات المنشورة تُمثل رأي كُتابها فقط، ولا تُعبر بالضرورة عن ام تي اي بوست.