قصة موسم أسا

«يجب أن تقطع مسافةَ 120 كلم جنوبي كلميم، على طول أقصى سلسلة جبال الأطلس الصغير وباني، لتصل إلى قرية صحراوية صغيرة. أسا هي عبارة عن قصر من الحجارة الداكنة، ينتصب وحيدا وتغلب عليه سمة التوحش. تأسست على يد المجاهد ايعزى وهدى في القرن 13 م؛ على الرغم من بعض الخراب الذي طاله، يحتفظ هذا الموقع بعنفوانه وذلك بفضل موقعه على جرف والتحامه بالصخور السوداء التي صنع منها.».

هكذا استهلت أوديت دي بويغودو، متخصصة فرنسية في الاثنولوجيا، الجزء المخصص لأسا في كتابها الذي يحمل عنوان «فنون وعادات البيضان»، وهو عبارة عن دراسة أنثروبولوجية لنمط حياة أهل الصحراء من سواد آرﮔان إلى سواد آدرار، خاصة المادية.

الباحث مصطفى نعيمي أيضا له مساهمة في هذا الباب ضمنها كتابه «واد نون والساقية الحمراء، دينامية التكتلات الصحراوية»، ارتكز فيها على مرجعين أساسيين: نص ينسب للشيخ نفسه وترجمة فرنسية لمدونة زاوية أسا لفانسان مونتاي.

انطلاقا من هذين النصين، حاول الباحث أن يرسم ملامح شخصية مؤسس الزاوية. وهكذا نقرأ أن ايعزى وهدى، الملقب بمهدي باني، قد أخذ على عاتقه مهمة إخراج الوثنيين من المنطقة، قبل أن يشيد زاويته التي تعرف اليوم باسم زاوية أسا.

اجتمع حول هذه المؤسسة الدينية أناس وفدوا من جهات مختلفة ابتداء من القرن 17 في غالب الظن، ليكونوا ما بات يسمى أيتوسى، التي تعتبر واحدة من أقوى التجمعات القبلية في الصحراء إلى جانب الرقيبات، وهي تنتمي إلى اتحادية تكنة الشهيرة.

أول وافد منهم على المنطقة هو، حسب أشهر الروايات، فصيل أهل حمو وعلي، القادم في الغالب من الشرق (تونس)، وكان قد استوطن تاغجيجت أول الأمر، ويُعزى له بناء المسجد العتيق بأسا. التحقت به فيما بعد فصائل إداومستر الأخرى؛ والبقية جاءت مع بداية القرن 18، وهو التاريخ الذي يُفترض أنْ قد بدأ فيه تنظيم موسم أسا، تخليدا لذكرى المولد النبوي..

تصف لنا بويغودو كيف كان الأهالي يحتفلون بموسمهم السنوي في مطلع الخمسينات: «مجموعة من الحجيج القادم من الشمال والجنوب يأتون لأسا لأداء الصلاة وزيارة صالحي أسا. قرية من الخيام تنصب بالواحة، وتعج منازل القصر بالضيوف. موسم يذكر باحتفال البروتون (فرنسا) بعِيد الصفح؛ فكلاهما يجمع بين ما هو روحي وما هو مادي. خلال ثلاثة أيام تتداخل الأهازيج الشعبية بالتهليلات الدينية في جو يذكر بالعادات الوثنية القديمة.»

حسب ما أدلى لنا به بعض شيوخ القبيلة، لم تعد للموسم قوته السابقة، على المستوى الاقتصادي على الأقل، فقد كان ملتقى لكبار التجار الآتين من السودان الغربي، تندوف وموريتانيا.

كان الموسم على مر العصور مناسبة سنوية لتخليد ثلاثة تواريخ مهمة: مولد النبي، وفاة مؤسس الزاوية، وتكون فيدرالية أيتوسى. تقام الصلاة مغربَ اليوم السابق على المولد بفناء الزاوية، ويتكلف كل فصيل من الفصائل الأحد عشر بنحر ناقة احتفاء بالضيوف، وهو طقس لازم الموسم منذ بدايته وما يزال جاريا إلى الآن.

اليوم أصبح الموسم مناسبة للاحتفال والفرجة، وبات أقرب إلى مهرجان تمتزج فيه الأناشيد الدينية، والقصائد الحسانية بالفلكلور الأمازيغي، وسباق الإبل. ومنذ سنتين أو ثلاث أضحت تنظم فيه ندوات حول تاريخ أسا أو حول موضوع التنمية مثلا.

أصل تسمية أسا

أوردت بويغودو، في هذا الصدد، رسالة باشا أﮔادير في بداية الخمسينات: «اسمها أسا، تيسيت قديما أي الأرض المنخفضة».