شذارات ونُتَفٌ في الموسيقى والغناء مرة أخرى..
قبل سنوات؛ كنت أحمل حقدا على المنشد المشهور حسن الحفار رحمه الله لمّا أدى أغنية “ابعث لي جواب” وكذا المنشد المغربي رشيد غلام عندما رأيته يستعمل الموسيقى ولم يكتفِ بالدفوف فقط كما كان من قبل، وغنائه للسيدة أم كلثوم رحمها الله؛ لأن الفكر السائد عندي آنذاك كان هو “الموسيقى حرام في حرام” وأن المديح والسماع والأناشيد [الدينية] هي الحلال عند الأغلبية رغم وجود الطائفة المتشددة في تحريم ذا وذاك..
وكنت في حيرة من أمري بكثرة الفتاوى بين من يحرم ومن يبيح الموسيقى..، لكن عندما اطلعت على كتاب فقه الغناء والموسيقى للدكتور القرضاوي، وكتاب الدكتور محمد عمارة “الموسيقى والغناء حلال أم حرام”، وبعض محاضرات الدكتور أحمد الريسوني أصبحت أفهم أن موضوعة الغناء والموسيقى فيها قول مختلف..، إلا أنني كنت أسمع الرأي الذي يحرم فقط…
ومع كل هذا حاول بعض الطلبة أن يغيروا أفكاري بقولهم أن القرضاوي داعية ضال مضل، وأن محمد عمارة مدعوم من التيار العلماني، وأن الريسوني ينتمي إلى حركة التوحيد والإصلاح، وهذه الحركة تبيح كل شيء وتدعو الفنانين والمغنيين لتنشيط حفلاتها..
فنصحوني بتتبع الشيخ الحويني لكنني فررت منه، ولم تعجبني طريقة حديثه وخاصة لأنه يكثر من اللهجة المصرية..، حتى اكتشفت أن عالما جليلا مغربيا تكلم في هذه الموضوعة أجاد فيها وأفاد وهو الدكتور الفريد فريد الأنصاري رحمه الله الذي قال في خلاصة كلامه في هذا الموضوع: “حديثنا عن الكلام الهادف المصحوب بالمعازف، وهذا الذي اختلف فيه الفقهاء، أما الغناء [السّواقي] فحكمه في نفسه.”
لذلك نقول أن غالبية الفقهاء يرون الغناء في الإسلام مباحا، بعيداً عن مظاهر الفساد والانحلال، لأنه لم يرد أي حديث صحيح في تحريم الغناء على الإطلاق، وبذلك فإن الغناء ما هو إلا كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح، ونفس الشيء بالنسبة للمعازف أو الموسيقى.
فمن الفقهاء من يقول بجواز الغناء بالموسيقى بنفس شروط جواز الغناء ومن هؤلاء ابن دقيق العيد، وابن حزم، والغزالي صاحب الإحياء، والعز بن عبد السلام.
وصفوة القول ليس كل الغناء مباح بوجه عام وليس محرما كله بالتعميم. وإن الفن يغذي الوجدان كما تغذي الرياضة الجسم، وكما تغذي العبادة الروح وكما يغذي العلم العقل.. ونقصد بالفنِّ هنا ذلك الذي يسمو بالإنسان لا الذي يهبط به إلى أسفل سافلين..
ولا شك أن هذه الموضوعة ضاعت بين طرفي الإفراط والتفريط؛ بين من تساهل في حرمة الغناء والموسيقى على الإطلاق، وبين من تساهل في إباحة كل الغناء والموسيقى دون قيود وشروط، والحق وسط بين طرفين.