يُعد قصر الباي واحد من الشواهد الأثرية التي حفرت في ذاكرة الجزائريين فترة الحكم العثماني في البلاد.
قصر الباي ظل شامخا على مرّ التاريخ، يهدي زائريه متعة النظر لروعة عمرانه وتناسق بنيانه، لم تمحُ السنوات رونق تصميمه، وغدا معلماً سياحياً بامتياز، يحجّ إليه الناس من داخل الجزائر وخارجه.
تشييد قصر الباي
شيد الباي محمد بن عثمان الكبير القصر في عام 1792 بعد دحره للإسبان.
يقع القصر في قلب حي سيدي الهواري العتيق على بعد كيلومترات عن البحر، ولقد بني على شكل سفينة تحرس باقي السفن التي كانت ترسو بميناء مرسى الكبير والتابعة للغزاة من إفرنج وحتى إسبان مما كانوا يتلهفون على هذه البلدة الهادئة.
بنى الباي محمد بن عثمان الكبير القصر بعد استقرار ملكه في المنطقة، وجعل الباي القصر مقرا لحكمه حيث كان يستقبل الوفود العسكرية في الديوان، ويصدر أوامره لكل الأقاليم الغربية.
وقد اعتمد الباي في عمارة القصر على أحجار القرميد الأحمر وصخور جبلية شديدة الصلابة.
أجنحة قصر الباي
وقسم القصر إلى 3 أجنحة، الأول الديوان وهو تحفة عمرانية تغير رونقه وجماله مع مرور الزمن سيما بعد الاحتلال الفرنسي لمدينة وهران، حيث سكن جيشه القصر بكامله وجعله مقرا للقيادة وذلك لخصوصية علوه عن باقي المباني، وأنه يطل مباشرة على الميناء.
الديوان لوحده يُشكل نصف القصر، فعند الدخول إليه تجده عند اليسار تعلوه 16 قوس مرتكزة على 16 عامودا من الرخام الأبيض الأملس الغير مزخرف.
إضافة إلى باب واسع رئيس يتميز بطرازه الأندلسي الإسلامي، فهو بشكل نصف بيضوي من الأعلى ومن الخشب الصلب بنقوش مربعة الشكل.
أما القاعة الرئيسة تتربع على مساحة تزيد على 15م2 في وسطها 5 أقواس مرتكزة على 8 أعمدة مزدوجة حلزونية من الرخام الأبيض الممزوج باللون البني، وينتهي بزخرفة رائعة يعلوها الهلال التركي رمز السيادة التركية.
أما السقف فهو من القصب المطلي بالجبس والمزركش بألوان مختلفة وخط عربي كتب به الأتراك آيات قرآنية مختلفة، ولكن بعد ما دخله الاستعمار الفرنسي غير الآيات بشعارات تحمل معاني الولاء للإمبراطور الفرنسي نابليون الثالث، الذي زار الجزائر في تلك الفترة، وقد كتب على سقف الديوان “نابليون الثالث نصره الله وأعز سلطانه وحفظه الله”.
وزاد من بهاء الديوان تلك النوافذ الخمس والبابان، يخص الباب الأول النساء للنظر في قضاياهن، وأما الثاني فخاص بالرجال.
جمالية تاريخية لـ قصر الباي
أرضية القصر من البلاط الفاخر الذي غيره الاستعمار إلى مصطبة من خشب، قصد تغيير ملامح العمارة التركية الإسلامية للقصر.
وبالخارج يتزين الديوان بمقعد استراحة كبير تزينه مجموعة من الفسيفساء الخضراء والبيضاء وأجور أحمر قبالة الحديقة التي تتوسط القاعة المفضلة للباي والمسماة بالحرم الخاصة بنسائه.
جمع الباي في الحديقة أفضل أنواع الأزهار والأشجار التي جعلتها غناء تتوسّطها نافورة في منظر جمالي تاريخي يقود الذاكرة عبر صوت خرير المياه المتدفقة إلى استحضار عظمة الباي بقوامه وبشرته السمراء واللحية السوداء، وهو يجول في أطرافها أمرا ونهيا.
وجعل الباي قاعة الحرم مطلة على الحديقة من خلال باب كبير ونوافذ صغيرة، واستلهم مهندسوه أشكال عمارته من تفاصيل قصر الحمراء الأندلسي من خلال الأقواس الست عشرة والأعمدة السبعة عشر المنتهية بزخرفة وفسيفساء مزركشة الألوان.
- جبال الهقار (الأهقار) في صحراء الجزائر.. اكتشف المتحف الطبيعي الأكبر في العالم
- كنيسة القديس سانت أوغسطين في عنابة.. معلم سياحي وتحفة معمارية خالدة
- المسرح الجهوي في وهران.. تحفة معمارية وإرث فني كبير
- مقام الشهيد في الجزائر العاصمة.. وجهة سياحية عالمية تروي قصة شعب مقاوم
- كنيسة سانتا كروز.. معلم سياحي وديني شامخ في سماء الباهية وهران
والحرم أو بيت النساء يتربع على مساحة تقارب 60م2، يحتوي على 7 غرف متوسطة الحجم ومتقابلة كان يتوسطها مسبح، هو اليوم مطمور بساحة زرقاء مطلية بالبلاط المنقط بالذهب ونافورة..
لكن الباي محمد بن عثمان الكبير بمهارة مهندسيه حافظ على حرمة النساء من خلال بنائه عدة حمامات بجوار الحرم لا تفصلها عن بيوت السبع إلا بوابة كبيرة.
ويقول المعماريون أن الحمامات أخذت الشكل نفسه للبيوت حيث اعتمد المصممون على الأقواس والأعمدة، لكن يد الاستعمار غيرت هندسة الحرم إذ أضافت طابقا ثانيا بهندسته تتشابه مع البيوت السبعة وقبة على شكل قبعة نابليون وذلك تخليدا لذكراه.
غرفة الباي
وأنت تتجول في القصر تجذبك غرفة صغيرة هي المفضلة عند الباي والتي ماتزال كما هي لحد الأن، حيث تحسسك بمهابة دينية وذكرى مجيدة يتقاسمها أهل وهران، وتحكي الروايات أن الغرفة كان يخصصها الباي محمد بن عثمان الكبير للتعبد.
وللغرفة شرفة تطل على المدينة العتيقة وجبال وهران وهندستها لا تختلف عن الديوان، إذ لها سقف من خشب مزركش بألوان ورسومات لأزهار النسرين.
كما تحتوي على مكان للعبادة تزينه نافذة بيضوية الشكل وفتحات في الحائط لوضع المصابيح الزيتية والمصاحف.
لكن الجميل في كل ذلك تلك السلالم السبع من المرمر الأبيض والتي تأخذك إلى الحديقة التي تتوسطها أربعة أعمدة من الرخام وعامودان من الخشب..
وتروي الحكايات أن الباي كان مولعا بتربية النسور والحمام الزاجل وقد بنى على يمين الحديقة وشمالها أقواس خاصة بهم.
كما أن للقصر نفق أرضي يسمح للباي محمد الكبير الولوج إلى مسجد الباشا الذي يبعد أمتار عن غرفته.