شيفرة بلال؛ هي رواية للدكتور أحمد خيري العمري، تحدث فيها عن مواقف ومحطات من حياة الصحابي الجليل بلال بن رباح رضي الله عنه، وربط ذلك بحياة عدة شخصيات على رأسها: بلال الفتى اليافع والمصاب بالسرطان، وأمه العزباء “لاتيشا”، وكذا السيناريست “أمجد”، كان الربط رائعا، مميزا حمل الكثير من العبر فبدت حروفه كفسيفساء تزين صفحات كتابه.
ومن جملة ما علمتنيه الرواية:
نحلم ثم نطبق
وبين الحلم والتطبيق تنسج آلاف الحكايا.. فما أكثر الحالمين! وما أشح عدد المطبقين!..
من منا لا تختلج خاطره الأحلام؟ ولا يسلي نفسه من حين إلى حين بحلم جميل؟ ولكن ذلك الحاجز -بين الحلم والتطبيق- صامد، ثابت.. وفي أغلب الأحيان يكون مُجتمَعا تحكمه العادات والتقاليد! فترضخ له الأحلام وتفقد وهجها الساطع..
لذا لتعيش حلمك، لتحقق هدفك: غيّر مجتمعك حتى وإن اضطررت لتغيير مكانك ومغادرة ديارك، ولا تنسَ أن شمس الدعوة الإسلامية غمرت أشعتها الكون بعد الهجرة إلى المدينة المنورة.
حتى وإن حالت دون رحيلك الظروف فلاتتوقف عن “الحلم”، لا تحد من طموحاتك، لا تيأس فسديم الصباح سيقترب، وتحمّل الألم فقد يولد الإبداع من رحم الصمود، فها هو بلال الحبشي عبد أسود لسيد من أقسى السادات في قريش. تمتطيه النعال القذرة وهو ملقىً على الرمال الحارة، غير أن للصبر جزاءٌ، وجزاء صبر بلال أن انطلق في سلم الحرية فبلغ قمته.. فبعد أن كان يهمس في أذن الأرض (أحد، أحد) اعتلى قمة الكعبة يوم الفتح مناديا أن لبوا النداء أهل مكة: ( الله أكبر، الله أكبر)..
أصحاب المواهب (الكتابة، الرسم، الغناء…..)
لابد لهم من حمل قضية -وستكون الولادة عسيرة على أرض هذا العالم ولكنها حتما مميزة فريدة- فها هو ناجي العلي ميت منذ عقود، غير أن قضيته في كل مرة تدفعنا لتأمل إبداعاته. وفي المقابل فنانون كثر أجهضت أناملهم الإبداع فلا قضية تنمّي الوليد.. لذا كان الإيمان بقضية محددة عاملا مهما في تنمية المواهب وديمومة الإبداع.
من يظن أن العبودية قد ولّى زمانها فهو يضرب ضرب عشواء
فالعبودية لا زالت ولا زلنا نتخبط بين جنباتها، نتقلب بين دياجيرها.. فكلنا عباد لأوثان هلامية نعبدها رغم شفافتها، نخضع لها رغم ضعفها، والأمر الجلل أنها موضوعة بدواخلنا ونحن من يصنعها: أوثان مخاوف تحد من العطاء، وأخرى من أحقاد تمزق شمل المجتمعات، وأوثان لخدمة المصالح الشخصية التي قد تدمر حياة أمة، أصنام عادات واهية، وتقاليد جوفاء كالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع.. لذا من أراد أن يتحرر فليفك قيود النفس أولا!
من هنا.. مرت فراشة
وفراشة تحوم في الأرجاء ظننتها أكثر حظا مني، إذ تطير بجناح الشوق للسماء، فتعانق ذرات الهواء، وتلامس أجنحتها نجوم الفضاء، تنثر القبلات على وجوه الأزهار، وتصبغ جدران الكون بألوانها البديعة، حتى إذا ما عبرتَ حقلا مزدانا بالألوان فلتعلم شيئا: “من هنا.. مرت فراشة”..
تتعالى شهقات الإعجاب إن رفرفت أمام الصغار، بل وتطاردها العيون في شغف ووله كبير، تسحر لب من يراها فيهيم عشقا بمن سواها..
ولكن مهلا فحياتها أقصر من أيام ثلاثة! ومع ذلك عاشت (فراشة) جعلت من أيامها: حكاية عطاء لامتناهي، مقطوعة حب عزفت على أوتار الأيام، ورسالة للبشرية جمعاء: “لنعيش لا نحتاج عمرا مديدا، لنعطي تكفينا أيام قليلة، لنترك أثرا طيبا لا بد من الظهور بأبهى الحلل، ونشر البسمة دون كلل”..
وقد صدق من قال: (أتمنى لو كنا فراشات لم تعش إلا ثلاثة أيام، ثلاثة أيام صيفية معك تحتوي من السعادة على أكثر ما يمكن لخمسين عاما اعتيادية أن تحتويه).
تأسرنا ربقة الهموم على ضفاف الحياة، وتمنعنا في كثير من الأحيان من السباحة وسط نهرها..
وإذا ولجنا النهر كنا نحملها كصخرة ثقيلة على صدورنا. منا من يحملها كـ “سيزيف” -وهو أسطورة يقال أن الآلهة تعاقبه بحمل صخرة ضخمة إلى قمة الجبل وقبل أن يصل تسقط الصخرة فيعود ويحملها من جديد.. وهكذا إلى ما لانهاية- يكون هدفه الوحيد الصخرة -همومه- وفقط، وهناك من يحملها كبلال الحبشي رضي الله عنه بصدر رحب كله إيمان وثقة بأن الليل لا بد تابعه نهار، وأن العسر محصور بين يسرين، فتنفرج أساريره وينطلق محلقا بأحلامه، لا تكبله الهموم، ولا تقيده الأحزان.