يجمع العالم على أنّ هتلر هو الزعيم الألماني الذي أراد بغروره خراب العالم، وقد بلغت العنصرية على يديه أعلى مستوياتها، وخاض حروبا مدمرة في كافة أنحاء العالم، فعقد التحالفات، وأقام الأساطيل الحربية في السماوات والمحيطات والبحار، وجالت قواته تنتقم من بني البشر وفق تصنيف دقيق على أساسه قسمت الأجناس البشرية إلى أنواع “راقية” وأخرى “دنيئة” تستحق السحل والموت.
هذا العالم الذي يجمع على هذه التصرفات والصفات التي اتصف بها هتلر، وقام بتجسيدها على أرض الواقع ذاته اختلف حول رؤى الفوهرر الفكرية، فقد أدار هتلر الحرب النفسية والإعلامية بشكل مذهل، والنظريات الألمانية في هذا الميدان تدرّس الآن في أرقى الجامعات ومراكز البحث والدراسات المتخصصة عبر أنحاء العالم.
القيمة الإنسانية ترنحت لدى هتلر، وهذا واضح في سياساته المتناقضة، لكنه وعبر الأفكار التي ظهرت في كتابه، فإنه يعرض أشكالا فكرية هامة، وأنساقا معرفية ميدانية مذهلة، تظهر بعضها الجانب العميق من هذه الشخصية المبهمة، فمن هو هتلر بالفعل!!
1. هتلر عُمْلَةُ قيمةٍ روحيةٍ
القارئ لكتاب “كفاحي” سيجد الكثير من المنابع الروحية لهذا الزعيم في تسطيره لاستراتيجيته القيادية، فهو يعالج في الفصل الثاني من الكتاب ما جعله “قائدا”، يرى في الإسلام كدين أكثر ملاءمة للجنس الجرماني من المسيحية، ويطرح حجته على هذا بالقول بأن “الإسلام يتحدث بلغة البشر”، وهو الذي يؤسس في نهجه لنشر “القيم بالسيف”، مما جعله يرى بأنه الأقرب إلى “الدم” الآري العريق الذي يؤمن بالقيادة عبر القوة.
يرى هتلر في المسيحية دينا للعامة بعيدا عن القادة، وهو الذي يشير إلى ذلك في كتابه عندما يصف منابعه الفكرية التي طبعت شخصيته في الصغر، إذ أنه يعتبر “المسيحية” دينا للأرواح الهادئة “المستسلمة”، وهذه لن تكون سوى أرواحا لأفراد الشعب؛ كما أنه يعتبر الروح “القومية” الجامع بين الألمان، وهو ما سيمكنهم من النظر بعمق إلى مستقبلهم بعيدا عن المنطق والخرافات.
2. هتلر عندما يحمل مسطرته
يؤسس هذا القائد لعالم مغاير يتحدث كافة الألسن، ولكنه يفكر بآلية جرمانية خالصة، وبعيدا عما تتداوله الدراسات النفسية المختلفة التي تجمع بأنه كان مصابا بأمراض نفسية مختلفة انطلاقا من الظروف المعيشية الصعبة أثناء طفولته من سطوة أبيه إلى يتمه، إلاّ أننا يجب علينا أن نعترف بأنّ العالم قبل هتلر ليس هو العالم بعده أبدا.
لقد نجح هتلر في قلب الكثير من الاعتبارات، وهو يقيم ألمانيا “الإمبراطورية” بشكل غريب، بحيث ظهر في أوّل الأمر “زعيما قوميا” وهو الذي حافظ على هذه الصورة إلى غاية اختفائه، والدليل على هذا تلك النصيحة التي أدلى بها لقائد دعاياته “غوبلز” وآخر كلمات خطابه الأخير سنة خمسة وأربعين عندما كانت الدبابات السوفياتية على مرمى حجر من برلين.
نجح هتلر أيضا في إقامة مجتمع متوازن، وقد وضع صرامة عائلية عجيبة، فأسند للمرأة مهمات لا تزال تحافظ عليها إلى الآن، فلولا هتلر لما كانت ميركل، ولولاه لما شهدنا عودة القوة الألمانية بعد تدميرها بالكامل فقط بعد عشرين سنة، وبواسطة سواعد ناعمة.
نجح هتلر أيضا في إقناع الألمان بأنهم قوة لا “تقهر” وأنهم أحفاد الرومان واسبارطة، وهذا ما نلمسه اليوم في القوة الاقتصادية الألمانية، فقد عمل العامل الألماني على تجسيد مبدأ “المنجنيق” الروماني عند كل خطوة يقوم بها أثناء عمله، وهذا يظهر في مبدأ “الدقة” الذي تميز به التنظيم الروماني القديم والألماني المعاصر، بينما نلمس في الفكر الألماني تلك النزعة الغريبة لدى الفلاسفة الألمان من هيدغر إلى هورسل إلى كانط.. وغيرهم، كونهم يعتبرون الألمانية هي لغة الفلسفة، وأنهم الورثة الشرعيون لسقراط وتلاميذه.
أهم النجاحات لهتلر في اعتقادي “وهذا رأي شخصي” في إهانة الحس الإمبراطوري للإمبراطوريات التقليدية، الفرنسية والإنجليزية، وهذا أمر جميل جدا، فصورته أمام برج إيفل من الصور التاريخية الرائعة بحق، وحصاره للإنجليز من أهم إبداعاته الحربية، فإن ما استحق إنسان ما الاحترام من أي جزائري في اعتقادي سيكون الزعيم الألماني هتلر “رحمه الله” لأنه أذاق الفرنسيين من نفس كأس السم التي جعلوا هم أنفسهم شعوبا بأكملها تشرب منها وبطرائق أبشع وأشنع منه، ولسنين… رحم الله سي:هتلر، رحمه الله.