من أكبر الأخطاء التي نرتكبها في حياتنا وأسوء ما نُحدثه من ضرر لذواتنا تلك القرارات المصيرية التي نتخذها في لحظة طيش ويأس وتذمر، تلك القرارت المهمة التي نتخذها من فرط وجع يكسر أضلاع صدورنا فيكسره لمئة قطعة وقطعة..
أسوء جرم نرتكبه في حق أنفسنا أننا نُصْلِح الخطأ بخطأ أكبر، بخطأ لا ينفع بعده أي ندم..
وأسوء ما يمكن لنا أن نرتكبه ضدنا أننا نحاول أن نسلك الطريق الأقل ضررا، إلا أنه يكون أكثر ضررا مما توقعنا.
في لحظة طيش مستعجلة تصبح كل الأبواب التي بوسعها أن تقودنا نحو الحلول المناسبة مغلقة في أعيننا، فنختار حلا واحدا لكونه الوحيد المتاح في تلك اللحظة، فنقرر أن نتخلى عن كل شيء بما فيه أن نتركنا لنستطيع التنفس على حساب تعاستنا، أن نضحي بنا لأجلنا، صحيح أننا ننقذ ما تبقى منا حينذاك ولكننا نبقى للأبد نتنفس بضلع مكسور في أي وقت قد تنتهي مدة صلاحية استعماله.. تلك حقيقة لم أدركها إلا معها.
لم أكن في نظرها رجلا سيئا، ولكني كنت من بين قراراتها الخاطئة والتي ما استطاعت أن تغفرها لنفسها، كانت بحاجة لأن تضع حدا لحبها بأي طريقة كانت، فَمَنَحَتْ نفسها مدى العمر لأول رجل ذهب بخطى ثابتة نحو والدها، وكنتُ أنا ذاك الرجل الذي حاولتْ من خلاله أن تهرب مما لا مهرب منه بداخلها، غير أنها لم تعلم كم كانت غبية حينما ظنت أن ما فعلته هو الصواب، وكم غفلت حينها عن حقيقة أن ما اقترفته في حق نفسها لن يضر من تحاول نسيانه بل سيضرها هي فقط.
فتاة مثلها لا تنسى، ولكنها في الحب تناست أن لا أحد يستحق أن تنهي حياتها لأجله فترمي بنفسها وسط النار وتدفع عمرها بكل لحظاته ثمن قرار تم أخذه استعجالا بالنهاية..
الحب يتطلب التضحية، أن نُضحي من أجل بعضنا البعض، لا أن نضحي ببعضنا، ولكنه ضحى بها في سبيل آخرى غيرها، فضحت هي بنفسها هاربة من حياتها المريرة إلى حياتي التي قالت عنها ذات غضب أنها أكثر مرارة، وأنا في المقابل ضحيتُ بسعادتي معها، واحترمت ما في قلبها فقط لأراها سعيدة. لم يكن ضعفا ولا قلة رجولة، ولكني همتُ بها.
كنت زوجها وكانت زوجتي ولكن أمام الناس فقط، وفيما بيننا كان هنالك سورا شاهق العلو يصعب تجاوزه، كان بوسعي أن أستغل كل الظروف بحجة أنها زوجتي، غير أني لم أكن رجلا استغلاليا ولا حتى جاهلا وليس بوسعي أن أكون ظالما حتى وإن كنت في هذه العلاقة أنا الشخص الوحيد الذي ظُلِم..
ذات يوم؛ سألتها بحرقة: – ما المميز فيه؟
استغربت من سؤالي ولكنها لم تتهرب من الإجابة:
– ما أعرفه أنني أحببته فحسب.
بادلتني السؤال حينها:
– لو أنني أخبرتُكَ منذ البداية بالحقيقة هل كنتَ ستتزوجني رغم ذلك؟
– كنتُ سأنصحكِ بعدم التسرع، فإن شئتِ أن تتسرعي، ربما كنتُ سأقبل.
– لماذا؟
– لأن أمثالي قلة قليلة.. في قلبكِ غصة حب أليمة، والتسرع سيكون مبتغاكِ كما لو أنكِ تنتقمين منه لا من نفسك، الوجع كان سيدفعك لارتكابِ أي حماقة فقط لتتخلصي منه، وتلك الحماقة هي ما نحن عليه اليوم وكان من المحتمل أن يكون رجلا غيري هو زوجكِ، ولعله ما كان ليكون متفهما أو متساهلا مثلي، فهو في نهاية المطاف زوجكِ وسيستغل هذا الأمرَ لصالحه.
.. لاشك أن العواقب كانت لتبدو وخيمة، لذلك فمن رحمةِ الله بكِ أنه بعثني لكِ، لأن أكون ذاك الرجل الذي يحميكِ منكِ، رجل يبدو زوجا أمامهم، وصديقا أمامكِ، والمغرم بكِ في صمتٍ يمزق قلبي. أنا من يقف معكِ رغم المسافات التي ترسمينها بيني وبينكِ، أنا الذي يُسارع لفعل أي شيء لكِ ما دام سيُرضيكِ. لو تدركين فقط كم أخاف عليكِ من تصرفاتكِ الطائشة وقراراتكِ المخيفة.
– استوعبتُ متأخرة أن ما ارتكبته كان انتقاما من نفسي، أما هو فلم يجرب يوما أن يسأل عن أحوالي. لا أعرف أين كان عقلي حينها، ولكني بالفعل تسببتُ في أذيتكَ معي. لقد تزوجنا بطريقة تقليدية، رأيتني فأُعْجِبتَ بي، ومن ثم دخلتَ حياتي من أوسع الأبواب طالبا الزواج مني، لم أعترض أبدا في الوقت الذي كان من المفترض أن أعترض وأرفض، وما من أحد من والداي سيجبرني على شيء لا أريده.. ولكني وافقت، كمثل ذاك الذي يرمي بنفسه من أعلى جسر ليتخلص من آلامه..
.. زواجي منك كان انتحار. ولكن بمجرد أن تزوجنا قررت أن أخبرك بكل شيء، لا أعلم لماذا؟ كان بوسعي أن أخفي عنكَ الحقيقة وأمارس انتحاري باحتراف موجع، ولكني امتنعت عن فعل ذلك.
صارحتك وكانت الحقيقة التي سمعتها كقطار دهس قلبك. لقد تفهمت كل ما أنا عليه ورضيتَ بي بالرغم من كل ما أخبرتكَ به. لن أكذب وأقول أنني لم أستغرب، توقعتُ أن تكون ردة فعلكَ قاسية، ولكنكَ كنتَ أحن البشر علي، أحن علي من ذاكَ الذي أنهكتُ قلبي بحبه، كنتَ رجلا من الخيال، ومثلك أجزم أنه لن يتكرر مرتين. أنقذتني مني ومن الحياة أجمع. أنتَ في نظري ذاك البطل الخارق. ولكن كما ترى ها قد مضت سنتين ونصف على زواجنا، لا أنا استطعتُ أن أنسى ولا أنا استطعتُ أن أكونَ لكَ زوجة. لا أعرف لما قلبي عاجز عن حبك في الوقت الذي لا تستحق مني سوى الحب؟
– بوسعي أن أمنحكِ من الوقت حياتي كلها.
– معكَ فقط تعلمتُ من أخطائي وصدقا لن أكررها، ولكن من المفترض ألا أستمر في الخطأ بعد الآن.
– والمعنى؟
– أن ننهي هذا الزواج كما بدأ.
– منذ البداية والأمور تسير عكس ما أريد. كان بودي أن أقول لكِ ” لا ” وأرفض ولكن لن أجبركِ على شيء. سأحقق لكِ مبتغاكِ ولن أعيقَ طريقك.”
وبالفعل سمحتُ لها بذلك، رحلت…، ساعدتها لتمسك بيد الرحيل، آخذة معها كل شيء جميل.
علاقتي بها لم تكن حبا فحسب، علاقتي بها تجاوزت الحب في حد ذاته، الحب وحده لا يصنع كل هذا، لا يمنح كل ما منحته لها.. أنا كنتُ معها أحيا بها ولكن هذا لم يكن كافيا لأبقيها معي، لم أجد منها أي أمل أستندُ عليه وأواسي به قلبي.. كانت مصرة أن تبقى عالقة في آخر فصل مر في حياتها، فصل مليء به وخالي مني..
رحلت بعدما تعلمت من أخطائها، لتنقذ نفسها من قراراتها، وتنقذني من الوقوع في حبها، لا أدري بأي لغة كان علي أن أخاطبها لتدرك أن رحيلها جاء متأخرا، وأنني والله بما يفوق الحب أحببتها.